الأحد، 23 ديسمبر 2018


درس اللغة
أولى باك أدبية
المحور الثاني : اللغة و الفكر
تأطير إشكالي للمحور :
إذا كان الكلام الذي يرادفه في اللغة الفرنسية كلمة من حيث اعتباره إنجازا ماديا للسان كما يصدر عن الفرد المتكلم داخل جماعة لسنية محددة ، فإن الفكر هو مجموع العمليات النفسية التي يطلب الإنسان بواسطتها مبادئ الأشياء اعتمادا على التأمل و الترتيب و القصدية . و عليه فالعلاقة التي تقيمها الاتجاهات التقليدية بين الفكر و اللغة باعتبار هذه الأخيرة علامة للفكر أي ان ظاهرة تعلن عم ظاهرة أخرى كإعلان الدخان عن وجود النار ، هي علاقة خارجية و كان الأمر يتعلق بوجود كائنين يعبران عن و جود موضوعين منفصلين أصلا و قد التقيا و أصبح أحدها ( اللغة ) يشكل مجرد وسيلة تعبيرية للآخر ( الفكر ) أو غلاف أو لباس له .
بينما الاتجاهات الفلسفية و العلمية المخالفة لهذه الاتجاهات التقليدية تعتقد عكس ذلك ؛ إذ تتصور اللغة و الفكر متصلان بشكل عضوي إلى درجة لا يمكن معه تصور الأول بدون الثاني . فهما يشكلان وجهان لعملة واحدة . و امام هذا التقابل بين هذين الطرحين المختلفة تبرز إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر : فهل هما يشكلان وحدة عضوية أم أنهما منفصلان عن بعضهما البعض ؟ لماذا تفشل اللغة في التعبير عن الفكر المتصف بالديمومة و الحيوية ؟ و لماذا يحتاج التعبير اللغوي عن الفكر إلى نضج في أعضاء النطق ؟ ألا يوجد فكر خارج تمرس عضلات النطق و توليفاتها ؟
تحليل نص : “ وحدة الفكر و اللغة “ لمورسي ميرلوبونتي ( فيلسوف فرنسي معاصر 1908 – 1961 ) ينتي إلى الاتجاه الفينومينولوجي .
إشكالية النص :
ما علاقة الفكر باللغة ؟ هل اللغة مجرد تعبير عن مكنونات الفكر ؟
أطروحة النص :
يؤكد ميرلوبونتي أن هناك ارتباطا بين اللغة والفكر ولا يمكن اعتبارهما في أي حال من الأحوال، موضوعين منفصلين. إن التفكير الصامت الذي يوحي لنا بوجود حياة باطنية هو – في الحقيقة- مونولوج داخلي يتم بين
الذات ونفسها، لأن اللغة والفكر يشكلان وجودا علائقيا مرتبطا ومتزامنا. فاللغة في نظره ليست علامة للفكر أو تعبيرا عنه فهي الفكر و الفكر هو اللغة إذ تشكل جسما له بواسطتها يتحقق حضوره في العالم لتحقيق التواصل ما بين الناس فلا للفكر خارج الكلمات .
تحليل البنية المفاهيمية للنص : ا عتمد صاحب النص على بنية مفاهيمية كان اساسها المفاهيم التالية : الفكر ، الكلام ( اللغة ) العلامة ، الوجود الخارجي للمعنى. و يمكن شرح هذه البنية من خلال الأزواج المفاهيمية التالية :
الفكر / الكلام كلغة : يضع النص العلاقة ما بين االفكر و الكلام موضع اهتمام كبير ؛ إذ يرى بأنها علاقة عضوية و ترابطية فلا يمكن تصور فكر بدون كلام و العكس أيضا صحيح .
اللغة / العلامة : يرفض صاحب اعتبار اللغة كلام مجرد علامة خارجية دالة على وجود الفكر كما يشكل الدخان علامة دالة على النار ، لان اللغة ليست وسيلة تعبيرية لمكنونات الفكر أو مجرد غلاف او لباس له .
الوجود الخارجي للمعنى / اللغة الداخلية : يسعى صاحب انطلاقا من موقفه من عدم وجود انفصال ما بين اللغة و الفكر أن يركز على هذين المفهومين لشرح ذلك الموقف الذي يتبناه . فلا وجود خارجي للمعنى الذي يعبر عن ما يجول في الفكر ، و اللغة تلتقطه كوسيلة تعبيرية لتعبر عنها اعتبارا منها أنها تشكل غلافا و لباسا له ، فاللغة الداخلية المشكلة للصمت هي في حد ذاته ضجيج لغوي يوضح بالملموس أن اللغة في اتحاد عضوي مع الفكر .
تحليل البنية الحجاجية للنص : كما اعتمد النص على بنية حجاجية أساسها ما يلي :
أسلوب الدحض : حيث دحض ميرلوبونتي الموقف الفلسفي الكلاسيكي الذي يجعل ن اللغة وسيلة تعبيرية انطلاقا ن اعتبارها منفصلة عضويا عن الفكر .
اسلوب الإثبات : حيث حاول إثبات حضور الفكر في العالم كما تجسده اللغة و قد اعتمد في هذا الإطار على آليات منها : " إن الكلام و الفكر لا ... " إن كلا منهما متضمن ... "
اسلوب النفي : حيث نفى فكرة اعتبار اللغة منفصلة عن افكر ز و قد اعتمد على آليات نها : ليس الكلام علامة ... " ليس بإمكان الكلمات أن تكون معقل الفكر ... " إن الفكر الخالص ليس إلا وعيا فارغا “
مناقشة النص : يمكن مناقشة هذا الموقف لميرلوبونتي من خلال مواقف فلسفية مؤيدة له أو معارضة له فجوليا  كريستيفا الممثلة للاتجاه اللساني المعاصر تؤيد ميرلوبونتي و ذلك من خلال اعتبارها أن بين اللغة والفكر علاقة تلازم وتبعية. حيث ترى جوليا كرستيفا . أن اللغة منظورا إليها من خارج تكتسي طابعا ماديا متنوعا، فيمكنها أن تتمظهر في صورة سلسلة من الأصوات المنطوقة. أو في صورة شبكة من العلامات المكتوبة، أو على شكل لعبة من الإيماءات، وهذه الحقيقة المادية تجسم ما نسميه فكرا، أي أن اللغة هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوجد بها الفكر، بل هي حقيقة وجوده وخروجه إلى الوجود، أو كما تقول جوليا كريستيفا: "إن اللغة هي جسم الفكر".
كما يمكن مناقشة هذا الموقف لميرلوبونتي من خلال موقف برغسون، الذي نجده يؤكد ان اللغة كوسيلة تخرج الإنسان من الجهل إلى المعرفة، إلا أنه يعتبرها أداة غير كافية نظرا لطابعها المحدود مقارنة مع الموضوعات اللانهائية، فعلى العقل أن يتدخل باستمرار ليضفي على الكلمات دلائل جديدة من خلال عملية إلحاقها بأشياء لم تكن ضمن اهتماماته قبلا. وهذه الطريقة ينقل العقل الأشياء من المجهول إلى المعلوم، ومن ثمة يرى برغسون أن العقل يستعمل باستمرار الطريقة التي ألفها في تعامله مع المادة الجامدة.
 إنه لا يمكن فهم الموقف البرغسوني في طرحه لعلاقة اللغة بالفكر إلا من خلال التمييز بين ثابتين: عمل العقل وعمل الحدس، فالعقل في نظر برغسون – يتعامل – مثلا – مع الكائن الحي على انه ليس كذلك، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يملكها العقل للتأثير على الأشياء. غير أن هذه الطريقة برغماتية وميكانيكية، تلجا إلى قتل الحي وتثبيت المتحرك، والقضاء على الاتصال، أما الحقيقة فهي متجلية – حسب برغسون – في عمل الحدس الذي يدرك "الديمومة". وإذا اعتبرنا اللغة من إبداع  العقل، فإنها تصبح وسيلة، وأداة خطيرة يستطيع العقل أن يحق من خلالها عمله النفعي، ومن ثمة تكون اللغة عاجزة عن التعبير عن "الديمومة"، وبالتالي عاجزة عن التعبير وعن الفكر الحدسي المدرك لتلك "الديمومة".
 هكذا يتأكد أن الموقف البرغسوني يتلخص في ترجيح كفة انفصال اللغة عن الفكر وعجزها عن التعبير عنه، وتلتقي مع أطروحة برغسون عدة أطروحات أخرى من أبرزها الأطروحة الصوفية، فما قد يفهمه الجمهور من كفر وزندقة وشرك وشطحان المتصوفة (كقول الحلاج مثلا: "ما في الحبة إلا الله" أو قول البسطامي "سبحاني ما أعظم شأني" ، لا يؤكد ذلك في العمق إلا أن التجربة الصوفية تجربة روحية باطنية ووجدانية فردية، تعجز اللغة عن ترجمتها والتعبير عنها بإخلاص.
 و أضا يمكن مناقشته من خلال موقف عالم النفس الأمريكي جون واطسون الذي حاول التأكيد من جهته على أن التعبير عن الفكر يحتاج إلى نضج في أعضاء النطق، وأن العادات العضلية المكتسبة داخل اللغة الظاهرة هي المسؤولة عن اللغة المضمرة والباطنية (الفكر) وأنه بواسطة التوليفات العضلية المكتسبة داخل اللغة الظاهرة هي المسؤولة عن اللغة المضمرة والباطنية (الفكر). وأنه بواسطة التوليفات العضلية تستطيع الإفصاح عن جميع الكلمات.  
خلاصة تركيبية
إن التساؤل الذي يفرض نفسه في هذا الإطار هو: أي الأطروحات يجب الإقرار بها؟ إذا قارنا بين الأطروحات التي بحثت في طبيعة العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر، يلاحظ أن الأطروحات التي تؤكد وجود علاقة الانفصال بينهما تتمثل في الطروحات الفلسفية المثالية. في حين أن القول بوجود علاقة التلازم بين اللغة والفكر تتبناها وتدعمها الأطروحات العلمية، فقد بينت – مثلا- الأبحاث العلمية التي أجريت عل ظاهرة الأفازيا أن المرض اللغوي هو في الحقيقة مرض عقلي، كما أكدت الطروحات اللسانية من خلال جوليا كرستيفا أنه لا يمكن الحديث في علاقة اللغة والفكر عن وجودين منفصلين، بل واحد، وفي نفس السياق شبه دي سوسير  العلاقة بين اللغة والفكر بوجه، الورقة وظهرها حيث قال: "إن الفكر هو وجه الصفحة، بينما الصوت هو ظهر الصفحة، ولا يمكن قطع الوجه دون أن يتم في الوقت نفسه قطع الظهر، وبالمثل لا يمكن في مضمار اللغة، فصل الصوت أو فصل الفكر عن الصوت.
 إن إشكالية العلاقة بين الفكر واللغة، تحمل في طياتها إشكاليات أخرى عديدة ومتداخلة، ومن أبرز هذه الإشكاليات، إشكالية الوظائف التواصلية للغة باعتبارها تواضعا اجتماعيا وتأليفا بين عناصر متعددة، فكيف يتحدد التواصل بواسطة النسق اللغوي؟ هل يتحقق التوصل في إطار من الشفافية والوضوح والتأمين أم أن عملية التواصل تدخل عوامل تقصي الشفافية.


درس: اللغة ( أولى باك ) ادبية 

المحور الأول: اللغة خاصية إنسانية
إشكالية المحور: هل اللغة خاصية إنسانية؟ كيف نفسر وجود اللغة عند الإنسان دون غيره؟ ثم ألا يمكن الحديث عن لغة لدى الحيوان؟ وأخيرا ما هي مميزات التواصل الإنساني بواسطة اللغة بالمقارنة مع التواصل الحيواني؟
تحليل نص: “الجهاز الرمزي عند الإنسان“ إرنست كاسيرر
أطروحة النص:تجاوز كاسيرر قولة أرسطو المشهورة في كون الإنسان يعتبر حيوانا ناطقا إلى كونه يعتبر كائنا رامزا خالقا للرموز، يمتلك جهازا رمزيا يتمكن من خلاله من إنتاج عالم رمزي يدرك به واقعه و يتحكم فيه ، و يجعله ، بالتالي يعيش فيه في انفصال عن عالمه المادي المحسوس المباشر . و هذه الصفة هي دليل إنسانيته. وعلى هذا الأساس يرى كاسيرر أنه بدلا من أن نعرف الإنسان باعتباره حيوانا عاقلا، فإن علينا أن نعرفه باعتباره حيوانا رامزا. فالإنسان لا يعيش في عالم واقعي وإنما في عالم رمزي مكون من اللغة والدين والفن والأسطورة. وبالتالي فإن دراسة الإنسان تصبح قائمة على أساس دراسة هذه الرموز. و اللغة والإبداعات الرمزية عامة قد خلقت عالما رمزيا يلعب دور الوسيط بين الإنسان والعالم المادي هذا الأخير ، لا يمكن إدراكه بدون التحويلات التي تقوم بها الرموز. فكون "حيوان رامز". معناه أنه يعي العالم عبر شبكة من الرموز اللامتناهية: فكل ما يعرفه الإنسان عن الواقع هو مقادير ومعايير ودوال... أي رموز أو شبكة رمزية. وكلما أغرق الإنسان في هذه الشبكة الرمزية تراجع الواقع إلى الخلف، والعكس صحيح حسب كاسيرر.
إشكالية النص : لماذا شذ الإنسان عن القواعد البيولوجية التي تحكم حياة كل الكائنات العضوية ؟ ما معنى كون الإنسان كائن رامز ؟ و ما البعد الجديد من أبعاد العالم المادي الذي شكله الإنسان ؟ و ما عناصر هذه الشبكة الرمزية التي أحدثها الإنسان ؟ و بأي معنى يمكن فهم أن الإنسان حيوان رامز ؟
تحليل النص : على مستوى مفاهيمه
تشكل النص من بنية مفاهيمية ناظمة له تتكون من المفاهيم التالية : القاعدة البيولوجية ، الكائن العضوي ، العالم الإنساني الرمزي ، الدائرة الوظيفية الإنسانية ، الجهاز المستقبل ، الجهاز المؤثر ، الجهاز الرمزي ،
و سنحاول أن نقدم شرحا لهذه المفاهيم انطلاقا من الأزواج المفاهيمية التالية :
القاعدة البيولوجية / الكائن العضوي : يسعى كاسيرر إلى الربط بين هذه المفهومين انطلاقا من اعتبار الإنسان في اصله كائن طبيعي لم يختلف عن باقي الكائنات الأخرى الطبيعية على المستوى العضوي ، لكن لا دخل عالم الثقافة تغير الأمر .
العالم الإنساني الرمزي / الدائرة الوظيفية الإنسانية : تغير الدائرة الوظيفية على المستوى النوعي جعل الإنسان يكيف نفسه حسب مقتضيات بيئته الاجتماعية و الثقافية الجديدة ؛ بحيث أصبح مستقلا عن العالم الخارجي بفضل إنتاجه للرموز الثقافية و إبداعه لها . فاصبح عالمه الرمزي الإنساني الخاص به .
الجهاز المستقبل / الجهاز المؤثر / الجهاز الرمزي : عبر الجهازين المستقبل و المؤثر يستطيع الكائن الطبيعي أن يدخل في علاقة مباشرة مع العالم الخارجي يتبادل التأثير و التأثر بشكل آلي، لكن الإنسان استطاع أن يخلق حلقة ثالثة سميت ب” الجهاز الرمزي “ حيث كسرت الدائرة العضوية الضيقية التي كان يحصر الإنسان فيها نفسه و جعلت الإنسان يرسم لنفسه دائرة رمزية أوسع يلعب فيه الاستقبال و التأثير دورا جدليا كبيرا
لقد أنتج الإنسان اللغة و دخل بواسطتها إلى عالم الثقافة حيث الرموز التعبيرية . فبفضل وظائف الشبكة الرمزية اصبح كائنا رامزا منتجا للرموز .  
تحليل النص : على مستوى حجاجه :
صاغ النص أطروحته حول اختصاص الغنسان بالجهاز الرمزي الصانع للتعابير الرمزية كاللغة و ذلك بتوظيفه لمجموعة من الآليات الحجاجية منها :
اسلوب التمييز و التقسيم : ففي ضوء نتائج علم البيولوجيا حاول صاحب النص تقسيم الدائرة الوظيفية إلى قسمين : عند الإنسان و عند الحيوان ، كما حاول التمييز بينها ، لكون هذه الأخيرة عرفت تطورا كميا أدى بالتالي إلى تغيير نوعي .
اسلوب المقارنة : بين الإنسان و الحيوان
اسلوب التعريف : حيث عرف الإنسان بأنه حيوان رامز منتج للرموز متجاوزا بذلك تعريف كل من أرسطو و ديكارت
المناقشة
و لمناقشة أطروحة هذا النص يمكن إبراز الموقف التالية :
موقف ديكارت:
ينطلق ديكارت من قناعة مفادها أن الإنسان وحده الكائن الناطق أو بالأصح الكائن الرمزي الذي يستخدم اللغة المنطوقة/المكتوبة/الحركية للتعبير عن أغراضه ومشاعره وأفكاره… وأساس حضور اللغة (بمفهومها هذا) عند الإنسان هو وجود الفكر لديه ، كما أن علة غيابها عند الحيوان هي افتقاره إلى الفكر. وبهذا تكون عبارة : "الإنسان حيوان عاقل" مرادفة لعبارة "الإنسان حيوان ناطق" ، إذ أن العقل/ الفكر أساس النطق/ اللغة . فلا لغة دون فكر ».إن ما يدعى لغة حيوانية لا يعدو أن يكون حركات طبيعية لا تمثل في نهاية المطاف سوى ردود أفعال غريزية أو قابلة للبرمجة عن طريق الترويض ومن ثم قابلة للتوقع أو أنها استجابات آلية لمثيرات ودوافع. بدليل أن أكمل الحيوانات خلقة وأكثرها ذكاءا وأقدرها على إصدار أصوات كالببغاء لا تنطق نطقا يشهد أنها تعي ما تقول، ويظل "أداؤها اللغوي" دون مستوى أداء أغبى الأطفال أو مستوى الصم والبكم الذين حرموا أعضاء النطق لكنهم قادرون مع ذلك على ابتكار علامات يجعلون بها أفكارهم مفهومة. إن اللغة إذن وظيفة التعبير عن الفكر ودلالة على الوعي الذين ينفرد بهما الإنسان من منطلق كونه مركبا من جوهرين: الجسد وخاصيته الامتداد ثم النفس وخاصيتها التفكير. أما الحيوان فلا يملك غير الحركات الطبيعية أو الإنفعالات.لقد أبان ديكارت أنه يمكن اعتبار الأصوات التي تصدر عن الحيوان مجرد استجابات انفعالية لمؤثرات مرتبطة باللذة أو الألم. فالصوت المشروط باللذة أو الألم لا يمكن اعتباره إلا فعلا منعكسا شرطيا وليس تواصلا. إن اللغة ليست ظاهرة فسيولوجية، لذا يمكن القول بأن الحيوان لا يملك عقلا، ومن ثمة فهو غير قادر على استعمال اللغة.
موقف إميل بنفنيست
أما إميل بنفنيست، فيستند على نتائج علم الحيوانات ( الزولوجبيا ) من جهة والسيميولوجيا من جهة ثانية ليقر بأن الحيوانات كذلك تتواصل إلا أنها لا ترقى إلى نفس مستوى التواصل اللغوي عند الإنسان. فبالاعتماد على بعض التجارب التي أجريت على النحل، بين بنفينست أن النحلة تستطيع التواصل في إطار شروط فزيائية معينة، إلا أن هذا "التواصل" هو عبارة عن رقصات لا تستدعي الحوار: فلا يمكن لنحلة أن تعيد إنتاج رسالة نحلة أخرى (غياب الإرسال المجدد)، وموضوع الرسالة مرتبط دائما بشروط موضوعية ينحصر في مكان وجود الغذاء، لأن لغة الحيوان لغة نمطية، ومرتبطة باستمرار بدوافع غريزية. لذا لا يمكن أن نجد خلافا بين رسالة نحلة وأخرى، إلا فيما يخص متغيرات مرتبطة بالمكان. وأخيرا فإن لغة النحل لا تقبل التحليل (التفكيك) إلى عناصر وأجزاء صغرى نظرا لمحدودية مكوناتها. إن لغة النحل هذه لا تعبر فعلا ولا يمكنها أن تعبر سوى عن عدد محدود من المضامين بسبب محدودية عدد التأليفات والتنويعات الممكنة التي تقبلها لغة الرقصات، كما أنها لا تسمح بقيام حوار إذ تظل الرسالة في اتجاه وحيد دون استجابة لغوية من المتلقي، ودون إمكانية نقلها إلى طرف ثالث، كما تشترط الحضور الفعلي للموضوع الخارجي المشار إليه. وهذه القيود كلها تنفلت منها اللغة الإنسانية ، التي تسمح بالتأليف والتركيب بين عناصر متنوعة (الحروف، الكلمات، الجمل، الفقرات، السياقات...)، إذا تمفصلت فيما بينها يمكن أن تكون لها دلالات متعددة ولا متناهية بالاعتماد على عدد متناه من الحروف والكلمات
ولعل هذه الخاصية هي التي تميز اللغة الإنسانية عن غيرها من أنظمة التواصل لدى الحيوان. فكيف يمكن لأصوات (حروف الأبجدية مثلا) وكلمات (مفردات القاموس) متناهية العدد أن تعبر عما لانهاية له من المضامين؟ يعود ذلك إلى خاصية التمفصل المزدوج التي كشف عنها اللساني الفرنسي أندري مارتيني. وتتلخص في نوعين من التمفصل
·
التمفصل الأول: وهو عبارة عن تمفصل اللغة في شكل وحدات صوتية قادرة على التعبير عن خبرة معينة، فهذا النوع من التمفصل هو الذي بوسعه أن يقضي على فردانية الخبرة بتحويلها إلى خبرة لسانية جماعية. وميزة هذا التمفصل أنه اقتصاد لساني: فمن خلال وحدات صوتية محدودة، نستطيع أن نعبر عن تجارب متنوعة، مادامت الوحدات الصوتية تستطيع أن تدخل في سياقات أخرى جديدة، كما أنه اقتصاد سيكولوجي، لأنه يجنب الذاكرة البشرية الاضطرار إلى حفظ وحدات صوتية كثيرة، قد يصل عددها إلى عدد إلى عدد التجارب.(أصغر ما يمكن أن نطلق عليه اسم التفصل الأول هو الجملة).
·
التمفصل الثاني: وهو عبارة عن تمفصل فونيمات (فارغة من المعنى) في وحدات صوتية من التمفصل الأول؛ وهكذا يكون التمفصل الثاني أساس الأول، وميزته أنه يمثل اقتصادا لسانيا : فبواسطة فونيمات محدودة نستطيع إنشاء مورفيمات ومونيمات ودلائل متنوعة تستطيع بدورها أن تدخل في سياقات عديدة من التمفصل الأول. وميزته، كذلك، أنه يشكل اقتصادا فسيولوجيا : فبدونه، سيكون الإنسان مضطرا إلى ابتكار عدد كبير من الأصوات التي قد لا تطابق قدراته الفسيولوجية. من هذا نستنتج، أن النسق اللغوي ليس نسقا لانهائيا إلا من حيث تأليفاته؛ أما من حيث جذوره فإنه يعتبر محدودا. هكذا يستطيع الإنسان أن يعبر عن خبراته المتنوعة د ونما حاجة إلى خلق وحدات صوتية مطابقة لكل الأشياء والأحداث.(لفهم التمفصل الثاني يكفي أن نأخذ كمثل على ذلك الحروف الأبجدية فهي بضع حروف فرغة من المعنى لكن نستطيع أن نصنع بها آلاف الكلمات).


  

درس الرغبة
المحور الثالث: الرغــــــبــة والســعــــــــــــادة
تــــقــــديـــــــــــم :
تتعدد الرغبات وتتنوع حسب الموضوعات التي يرغب فيها الإنسان، فهناك الرغبة في المعرفة، الرغبة في المجد، الرغبة في التغلب، لكن أقوى الرغبات هي الرغبة التي تولد السعادة في نفس الإنسان.
ماذا تحقق الرغبة لدى الإنسان: السعادة أم الشقاء؟ وهل يمكن أن يكون الإنسان سعيداً بدون إرضاء جميع رغباته ؟ وهل السعادة تتحقق بإشباع الحاجات الجسدية أم الروحية ؟
تحليل النص ص 36:
التعريف بصاحب النص: ديكارت ولد سنة 1596 وتوفي سنة 1650، من مؤلفاته " مقال في المنهج "، " مبادئ الفلسفة "، " تأملات ميتافيزيقية "و " انفعالات النفس".
إشكال النص:
هل الرغبة لدى الإنسان تحقق السعادة أم الشقاء ؟
أطروحة النص
يرى ديكارت أن الرغبة تحقق السعادة للإنسان، ذلك أن الطبيعة الإنسانية مهيأة للتمتع بكل ما هو ملذ وممتع، وهذا يخلق للذات نوعا من البهجة، وإذ يقر بتعدد الرغباتبتعدد مواضيعها، وتفاوتها بتفاوت درجات بهجاتها، فإنه يفاضل بينها، ليضع الرغبة المتولدة عن الإحساس بالبهجة هي أقوى الرغبات، هذه الأخيرة، متمثلة في الميل نحو شخص نعتقد فيه صفات الكمال الذي بإمكانه أن يشكل ذاتنا الأخرى، والواقع هذا الميل هو الذي يعكس رغبة الحب .
مفاهيم النص:
النفور: كراهية الشيء والإبتعاد عنه.
المعرفةمجموع العمليات الذهنية التي تقوم بها الذات الواعية من أجل فهم أو تفسير موضوع ما، وتتطلب ذاتاً عارفة و موضوعاً للمعرفة و منهجاً لها .
الخير: هو الممتع أو المفيد، أو الذي يحمل قيمة أخلاقية إيجابية.
الطبيعة: المقصود بها الوجود والأشياء التي خلقها الله في الطبيعة.
حجاج النص:
اعتمد ديكارت لإثبات أطروحته على مجموعة من الأساليب الحجاجية، نذكر منها:تقنية القسمة:  تقسيم الرغبات تبعا للموضوعات التي تنصب عليها.
رد المتعدد إلى الواحد: وتصنيف الرغبات واختزال كثرتها بردها إلى أصناف قليلة العدد.
في النص : الرغبات على اختلافها ليست سوى أجناس لنوعين رئيسين الحب والكراهية أو البهجة والنفور: يكفي أن علم أن هناك أنواعا من الرغبات بقدر ما هناك من أنواع الحب والكراهية ".
تقنية السؤال الخطابي وهو السؤال الذي يعقبه مباشرة جوابه ويدخل هذا النوع من السؤال ضمن تقنيات العرض والحجاج ومن أهدافه: توجيه انتباه القارئ وإعداده لتلقي الجواب، حثه على متابعة القراءة، خلق دينامية داخلية وفضاء حواري. وأكثر من يستعمل هذا النوع من السؤال الخطباء والمدرسون.
في النص : فما الرغبة التي تولدها البهجة ؟
الأمثلة استعملت الأمثلة لتوضيح الأفكار المجردة. تكمن الأهمية الحجاجية للمثال في كونه يخاطب المخيلة ويسهل عملية حصول التصور المجرد في الذهن من ثم التصديق، لأن العلم تصور أولا ثم تصديق.
في النص : ومثال ذلك أن جمال الأزهار يحظنا على
لو أخدنا مثلا الفضول وحب الاستطلاع...
أساليب بلاغيةتقدم القضايا بصيغة الاقتراح والحث دون إلزام:
في النص: لكن يكفي أن نعلم بأن
إنه من الأصوب أن نميز بين.
تحليل النص ص 37:
التعريف بصاحب النص: أبيقور ( 341 – 270 ق.م) فيلسوف يوناني جعل اللذة في مرتبة الحكمة، من أهم ما تبقي من أعماله " رسائل ".
إشكال النص: هل اللذة هي مبدأ وغاية الحياة السعيدة ؟
أطروحة أبيقور :
يعتبر هذا الفيلسوف اليوناني بأن اللذة هي مبدأ الحياة السعيدة وغايتها، فالإنسان بإشباع رغباته الجسدية يحقق سلامة البدن ويتجنب الآلام، وبإشباع رغباته النفسية يتجنب اضطرابات النفس، إذن فالحاجة إلى اللذة بالنسبة للإنسان حاجة ضرورية حسب هذا الفيلسوف، حيث لا يحدث أن يرغب الكائن بشيء إلا إذا كان يحقق له اللذة والمتعة، واللذة هي ذلك الخير الرئيسي والطبيعي، بل وهي مقياس لكل سعادة، وفي هذا الصدد يقول أبيقور " إن كل لذة هي في ذاتها خير، إلا أنه لا ينبغي أن نبحث عن كل اللذات".
لموقف الرواقي(سينيكا): تكمن السعادة في اتباع العقل والرضا بالمصير.   تتمثل السعادة حسب سينيكا في التحرر من سيطرة الرغبات والأحاسيس الغريزية الحيوانية، ودلك عن طريق الاستعمال السليم للعقل الذي من شأنه أن يمكننا من معرفة حقيقة الذات الإنسانية، ويجعلنا نصدر قرارات عقلية صحيحة حول الأشياء يكون مصدرها هو العقل السليم. كما تتمثل السعادة أيضا في الاستقامة ونهج السلوك الأخلاقي الفاضل، وعدم المبالغة في التفكير في المستقبل، والقناعة بما تحقق في الحاضر. فالسعادة إذن هي تعقل للرغبات وتحرر من سيطرتها وسلطتها عن طريق الاستعمال السليم للعقل.  
تحليل النص ص 37:
التعريف بصاحب النص: أحمد بن مسكويه ( 320 – 421)، مفكر عربي إسلامي اهتم بدراسة الأخلاق والتاريخ والفلسفة، من مؤلفاته: " الحكمة الخالدة "، " تجارب الأمم ".
إشكال النص: هل تكمن السعادة في قهر اللذة ؟
أطروحة النص:
يميز ابن مسكويه بين اللذات الحسية الحيوانية و اللذات العقلية الشريفة، الأولى تتعلق بالجسم بينما تتعلق الثانية بالنفس ومن جعل سعادته القصوى في تحصيل اللذات الحسية فقد رضي بأخس العبودية لأخس الموالي.
ويرى هذا المفكر بأن السعادة الحقيقية تكمن في قمع النفس العاقلة للنفس الشهوانية والغضبية، فالإنسان في نظره لا تتحقق إنسانيته إلا بالإبتعاد عن أهواء النفس وشهواتها الحسية.
خلاصة المحور الثالث " الرغبة والسعادة":
إذا كان أبيقور يرى بأن اللذة ضرورية لسعادة الإنسان بالنسبة للنفس والجسم، فإن ديكارت وابن مسكويه يؤكدان على أن السعادة من أفعال العقل عندما يستعمل في اتجاه تحقيق الخير وليس الشر.
خلاصة عامة حول مفهوم الرغبة:
للإجابة على سؤال الرغبات الإنسانية سواءً كانت جسدية أو روحية، نقف عند المواقف التالية، موقف ميلاني كلاين وهي محللة نفسانية ترى بأن حاجة الإنسان تتحول لا شعورياً إلى رغبة في فترة الرضاعة، أما الأنتربولوجي الأمريكي رالف لينتون فيرى بأن الحاجة والرغبة تتحول تدريجياً في الإنسان بواسطة الثقافة، في حين يؤكد أفلاطون أن الرغبة شهوة لا عاقلة خاضعة للعقل.
أما الرغبة كموضوع فلسفي فإن كل من الفيلسوف جيل دولوز الفرنسي المعاصر الذي يرى أن الرغبة إنتاج للصراع الطبقي داخل المجتمع، والفيلسوف الحديث اسبينوزا الذي يؤكد على أن الوعي والإرادة هما المتحكمان في رغبات وشهوات الإنسان، أما الفيلسوف المثالي هيغل فيرى بأن إشباع الرغبة يقتضي تدمير الموضوع المرغوب فيه أي إلغاء وجوده المستقل عن الذات، لأن الرغبة لا توجد مستقلة عن وعي الذات، في حين يؤكد عالم النفس جاك لاكان بأن الرغبة لا شعورية وتنفرد من سلطة الذات والعقل، أما عند الحديث عن كيفية تحقق السعادة لدى الكائن البشري، فإن الفيلسوف ديكارت وابن مسكويه لا يختلفان عن كون العقل والنفس العاقلة هما المؤديان إلى سعادة الإنسان بكون هذا الأخير كائناً عاقلاً يسيطر على شهواته كما يشاء عكس الحيوانات التي تحكمها الفطرة، في حين يرى الفيلسوف اليوناني أبيقور المنتمي إلى المدرسة الرواقية بأن اللذة هي مبدأ الحياة السعيدة وغايتها، فالإنسان بإشباع رغباته الجسدية يحقق سلامة البدن ويتجنب الآلام، وبإشباع رغباته النفسية يتجنب اضطرابات النفس، وبالتالي فالحاجة إلى اللذة بالنسبة للإنسان حاجة ضرورية.