الأحد، 23 ديسمبر 2018


درس اللغة
أولى باك أدبية
المحور الثاني : اللغة و الفكر
تأطير إشكالي للمحور :
إذا كان الكلام الذي يرادفه في اللغة الفرنسية كلمة من حيث اعتباره إنجازا ماديا للسان كما يصدر عن الفرد المتكلم داخل جماعة لسنية محددة ، فإن الفكر هو مجموع العمليات النفسية التي يطلب الإنسان بواسطتها مبادئ الأشياء اعتمادا على التأمل و الترتيب و القصدية . و عليه فالعلاقة التي تقيمها الاتجاهات التقليدية بين الفكر و اللغة باعتبار هذه الأخيرة علامة للفكر أي ان ظاهرة تعلن عم ظاهرة أخرى كإعلان الدخان عن وجود النار ، هي علاقة خارجية و كان الأمر يتعلق بوجود كائنين يعبران عن و جود موضوعين منفصلين أصلا و قد التقيا و أصبح أحدها ( اللغة ) يشكل مجرد وسيلة تعبيرية للآخر ( الفكر ) أو غلاف أو لباس له .
بينما الاتجاهات الفلسفية و العلمية المخالفة لهذه الاتجاهات التقليدية تعتقد عكس ذلك ؛ إذ تتصور اللغة و الفكر متصلان بشكل عضوي إلى درجة لا يمكن معه تصور الأول بدون الثاني . فهما يشكلان وجهان لعملة واحدة . و امام هذا التقابل بين هذين الطرحين المختلفة تبرز إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر : فهل هما يشكلان وحدة عضوية أم أنهما منفصلان عن بعضهما البعض ؟ لماذا تفشل اللغة في التعبير عن الفكر المتصف بالديمومة و الحيوية ؟ و لماذا يحتاج التعبير اللغوي عن الفكر إلى نضج في أعضاء النطق ؟ ألا يوجد فكر خارج تمرس عضلات النطق و توليفاتها ؟
تحليل نص : “ وحدة الفكر و اللغة “ لمورسي ميرلوبونتي ( فيلسوف فرنسي معاصر 1908 – 1961 ) ينتي إلى الاتجاه الفينومينولوجي .
إشكالية النص :
ما علاقة الفكر باللغة ؟ هل اللغة مجرد تعبير عن مكنونات الفكر ؟
أطروحة النص :
يؤكد ميرلوبونتي أن هناك ارتباطا بين اللغة والفكر ولا يمكن اعتبارهما في أي حال من الأحوال، موضوعين منفصلين. إن التفكير الصامت الذي يوحي لنا بوجود حياة باطنية هو – في الحقيقة- مونولوج داخلي يتم بين
الذات ونفسها، لأن اللغة والفكر يشكلان وجودا علائقيا مرتبطا ومتزامنا. فاللغة في نظره ليست علامة للفكر أو تعبيرا عنه فهي الفكر و الفكر هو اللغة إذ تشكل جسما له بواسطتها يتحقق حضوره في العالم لتحقيق التواصل ما بين الناس فلا للفكر خارج الكلمات .
تحليل البنية المفاهيمية للنص : ا عتمد صاحب النص على بنية مفاهيمية كان اساسها المفاهيم التالية : الفكر ، الكلام ( اللغة ) العلامة ، الوجود الخارجي للمعنى. و يمكن شرح هذه البنية من خلال الأزواج المفاهيمية التالية :
الفكر / الكلام كلغة : يضع النص العلاقة ما بين االفكر و الكلام موضع اهتمام كبير ؛ إذ يرى بأنها علاقة عضوية و ترابطية فلا يمكن تصور فكر بدون كلام و العكس أيضا صحيح .
اللغة / العلامة : يرفض صاحب اعتبار اللغة كلام مجرد علامة خارجية دالة على وجود الفكر كما يشكل الدخان علامة دالة على النار ، لان اللغة ليست وسيلة تعبيرية لمكنونات الفكر أو مجرد غلاف او لباس له .
الوجود الخارجي للمعنى / اللغة الداخلية : يسعى صاحب انطلاقا من موقفه من عدم وجود انفصال ما بين اللغة و الفكر أن يركز على هذين المفهومين لشرح ذلك الموقف الذي يتبناه . فلا وجود خارجي للمعنى الذي يعبر عن ما يجول في الفكر ، و اللغة تلتقطه كوسيلة تعبيرية لتعبر عنها اعتبارا منها أنها تشكل غلافا و لباسا له ، فاللغة الداخلية المشكلة للصمت هي في حد ذاته ضجيج لغوي يوضح بالملموس أن اللغة في اتحاد عضوي مع الفكر .
تحليل البنية الحجاجية للنص : كما اعتمد النص على بنية حجاجية أساسها ما يلي :
أسلوب الدحض : حيث دحض ميرلوبونتي الموقف الفلسفي الكلاسيكي الذي يجعل ن اللغة وسيلة تعبيرية انطلاقا ن اعتبارها منفصلة عضويا عن الفكر .
اسلوب الإثبات : حيث حاول إثبات حضور الفكر في العالم كما تجسده اللغة و قد اعتمد في هذا الإطار على آليات منها : " إن الكلام و الفكر لا ... " إن كلا منهما متضمن ... "
اسلوب النفي : حيث نفى فكرة اعتبار اللغة منفصلة عن افكر ز و قد اعتمد على آليات نها : ليس الكلام علامة ... " ليس بإمكان الكلمات أن تكون معقل الفكر ... " إن الفكر الخالص ليس إلا وعيا فارغا “
مناقشة النص : يمكن مناقشة هذا الموقف لميرلوبونتي من خلال مواقف فلسفية مؤيدة له أو معارضة له فجوليا  كريستيفا الممثلة للاتجاه اللساني المعاصر تؤيد ميرلوبونتي و ذلك من خلال اعتبارها أن بين اللغة والفكر علاقة تلازم وتبعية. حيث ترى جوليا كرستيفا . أن اللغة منظورا إليها من خارج تكتسي طابعا ماديا متنوعا، فيمكنها أن تتمظهر في صورة سلسلة من الأصوات المنطوقة. أو في صورة شبكة من العلامات المكتوبة، أو على شكل لعبة من الإيماءات، وهذه الحقيقة المادية تجسم ما نسميه فكرا، أي أن اللغة هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوجد بها الفكر، بل هي حقيقة وجوده وخروجه إلى الوجود، أو كما تقول جوليا كريستيفا: "إن اللغة هي جسم الفكر".
كما يمكن مناقشة هذا الموقف لميرلوبونتي من خلال موقف برغسون، الذي نجده يؤكد ان اللغة كوسيلة تخرج الإنسان من الجهل إلى المعرفة، إلا أنه يعتبرها أداة غير كافية نظرا لطابعها المحدود مقارنة مع الموضوعات اللانهائية، فعلى العقل أن يتدخل باستمرار ليضفي على الكلمات دلائل جديدة من خلال عملية إلحاقها بأشياء لم تكن ضمن اهتماماته قبلا. وهذه الطريقة ينقل العقل الأشياء من المجهول إلى المعلوم، ومن ثمة يرى برغسون أن العقل يستعمل باستمرار الطريقة التي ألفها في تعامله مع المادة الجامدة.
 إنه لا يمكن فهم الموقف البرغسوني في طرحه لعلاقة اللغة بالفكر إلا من خلال التمييز بين ثابتين: عمل العقل وعمل الحدس، فالعقل في نظر برغسون – يتعامل – مثلا – مع الكائن الحي على انه ليس كذلك، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يملكها العقل للتأثير على الأشياء. غير أن هذه الطريقة برغماتية وميكانيكية، تلجا إلى قتل الحي وتثبيت المتحرك، والقضاء على الاتصال، أما الحقيقة فهي متجلية – حسب برغسون – في عمل الحدس الذي يدرك "الديمومة". وإذا اعتبرنا اللغة من إبداع  العقل، فإنها تصبح وسيلة، وأداة خطيرة يستطيع العقل أن يحق من خلالها عمله النفعي، ومن ثمة تكون اللغة عاجزة عن التعبير عن "الديمومة"، وبالتالي عاجزة عن التعبير وعن الفكر الحدسي المدرك لتلك "الديمومة".
 هكذا يتأكد أن الموقف البرغسوني يتلخص في ترجيح كفة انفصال اللغة عن الفكر وعجزها عن التعبير عنه، وتلتقي مع أطروحة برغسون عدة أطروحات أخرى من أبرزها الأطروحة الصوفية، فما قد يفهمه الجمهور من كفر وزندقة وشرك وشطحان المتصوفة (كقول الحلاج مثلا: "ما في الحبة إلا الله" أو قول البسطامي "سبحاني ما أعظم شأني" ، لا يؤكد ذلك في العمق إلا أن التجربة الصوفية تجربة روحية باطنية ووجدانية فردية، تعجز اللغة عن ترجمتها والتعبير عنها بإخلاص.
 و أضا يمكن مناقشته من خلال موقف عالم النفس الأمريكي جون واطسون الذي حاول التأكيد من جهته على أن التعبير عن الفكر يحتاج إلى نضج في أعضاء النطق، وأن العادات العضلية المكتسبة داخل اللغة الظاهرة هي المسؤولة عن اللغة المضمرة والباطنية (الفكر) وأنه بواسطة التوليفات العضلية المكتسبة داخل اللغة الظاهرة هي المسؤولة عن اللغة المضمرة والباطنية (الفكر). وأنه بواسطة التوليفات العضلية تستطيع الإفصاح عن جميع الكلمات.  
خلاصة تركيبية
إن التساؤل الذي يفرض نفسه في هذا الإطار هو: أي الأطروحات يجب الإقرار بها؟ إذا قارنا بين الأطروحات التي بحثت في طبيعة العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر، يلاحظ أن الأطروحات التي تؤكد وجود علاقة الانفصال بينهما تتمثل في الطروحات الفلسفية المثالية. في حين أن القول بوجود علاقة التلازم بين اللغة والفكر تتبناها وتدعمها الأطروحات العلمية، فقد بينت – مثلا- الأبحاث العلمية التي أجريت عل ظاهرة الأفازيا أن المرض اللغوي هو في الحقيقة مرض عقلي، كما أكدت الطروحات اللسانية من خلال جوليا كرستيفا أنه لا يمكن الحديث في علاقة اللغة والفكر عن وجودين منفصلين، بل واحد، وفي نفس السياق شبه دي سوسير  العلاقة بين اللغة والفكر بوجه، الورقة وظهرها حيث قال: "إن الفكر هو وجه الصفحة، بينما الصوت هو ظهر الصفحة، ولا يمكن قطع الوجه دون أن يتم في الوقت نفسه قطع الظهر، وبالمثل لا يمكن في مضمار اللغة، فصل الصوت أو فصل الفكر عن الصوت.
 إن إشكالية العلاقة بين الفكر واللغة، تحمل في طياتها إشكاليات أخرى عديدة ومتداخلة، ومن أبرز هذه الإشكاليات، إشكالية الوظائف التواصلية للغة باعتبارها تواضعا اجتماعيا وتأليفا بين عناصر متعددة، فكيف يتحدد التواصل بواسطة النسق اللغوي؟ هل يتحقق التوصل في إطار من الشفافية والوضوح والتأمين أم أن عملية التواصل تدخل عوامل تقصي الشفافية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق