الأحد، 23 ديسمبر 2018

درس: اللغة ( أولى باك ) ادبية 

المحور الأول: اللغة خاصية إنسانية
إشكالية المحور: هل اللغة خاصية إنسانية؟ كيف نفسر وجود اللغة عند الإنسان دون غيره؟ ثم ألا يمكن الحديث عن لغة لدى الحيوان؟ وأخيرا ما هي مميزات التواصل الإنساني بواسطة اللغة بالمقارنة مع التواصل الحيواني؟
تحليل نص: “الجهاز الرمزي عند الإنسان“ إرنست كاسيرر
أطروحة النص:تجاوز كاسيرر قولة أرسطو المشهورة في كون الإنسان يعتبر حيوانا ناطقا إلى كونه يعتبر كائنا رامزا خالقا للرموز، يمتلك جهازا رمزيا يتمكن من خلاله من إنتاج عالم رمزي يدرك به واقعه و يتحكم فيه ، و يجعله ، بالتالي يعيش فيه في انفصال عن عالمه المادي المحسوس المباشر . و هذه الصفة هي دليل إنسانيته. وعلى هذا الأساس يرى كاسيرر أنه بدلا من أن نعرف الإنسان باعتباره حيوانا عاقلا، فإن علينا أن نعرفه باعتباره حيوانا رامزا. فالإنسان لا يعيش في عالم واقعي وإنما في عالم رمزي مكون من اللغة والدين والفن والأسطورة. وبالتالي فإن دراسة الإنسان تصبح قائمة على أساس دراسة هذه الرموز. و اللغة والإبداعات الرمزية عامة قد خلقت عالما رمزيا يلعب دور الوسيط بين الإنسان والعالم المادي هذا الأخير ، لا يمكن إدراكه بدون التحويلات التي تقوم بها الرموز. فكون "حيوان رامز". معناه أنه يعي العالم عبر شبكة من الرموز اللامتناهية: فكل ما يعرفه الإنسان عن الواقع هو مقادير ومعايير ودوال... أي رموز أو شبكة رمزية. وكلما أغرق الإنسان في هذه الشبكة الرمزية تراجع الواقع إلى الخلف، والعكس صحيح حسب كاسيرر.
إشكالية النص : لماذا شذ الإنسان عن القواعد البيولوجية التي تحكم حياة كل الكائنات العضوية ؟ ما معنى كون الإنسان كائن رامز ؟ و ما البعد الجديد من أبعاد العالم المادي الذي شكله الإنسان ؟ و ما عناصر هذه الشبكة الرمزية التي أحدثها الإنسان ؟ و بأي معنى يمكن فهم أن الإنسان حيوان رامز ؟
تحليل النص : على مستوى مفاهيمه
تشكل النص من بنية مفاهيمية ناظمة له تتكون من المفاهيم التالية : القاعدة البيولوجية ، الكائن العضوي ، العالم الإنساني الرمزي ، الدائرة الوظيفية الإنسانية ، الجهاز المستقبل ، الجهاز المؤثر ، الجهاز الرمزي ،
و سنحاول أن نقدم شرحا لهذه المفاهيم انطلاقا من الأزواج المفاهيمية التالية :
القاعدة البيولوجية / الكائن العضوي : يسعى كاسيرر إلى الربط بين هذه المفهومين انطلاقا من اعتبار الإنسان في اصله كائن طبيعي لم يختلف عن باقي الكائنات الأخرى الطبيعية على المستوى العضوي ، لكن لا دخل عالم الثقافة تغير الأمر .
العالم الإنساني الرمزي / الدائرة الوظيفية الإنسانية : تغير الدائرة الوظيفية على المستوى النوعي جعل الإنسان يكيف نفسه حسب مقتضيات بيئته الاجتماعية و الثقافية الجديدة ؛ بحيث أصبح مستقلا عن العالم الخارجي بفضل إنتاجه للرموز الثقافية و إبداعه لها . فاصبح عالمه الرمزي الإنساني الخاص به .
الجهاز المستقبل / الجهاز المؤثر / الجهاز الرمزي : عبر الجهازين المستقبل و المؤثر يستطيع الكائن الطبيعي أن يدخل في علاقة مباشرة مع العالم الخارجي يتبادل التأثير و التأثر بشكل آلي، لكن الإنسان استطاع أن يخلق حلقة ثالثة سميت ب” الجهاز الرمزي “ حيث كسرت الدائرة العضوية الضيقية التي كان يحصر الإنسان فيها نفسه و جعلت الإنسان يرسم لنفسه دائرة رمزية أوسع يلعب فيه الاستقبال و التأثير دورا جدليا كبيرا
لقد أنتج الإنسان اللغة و دخل بواسطتها إلى عالم الثقافة حيث الرموز التعبيرية . فبفضل وظائف الشبكة الرمزية اصبح كائنا رامزا منتجا للرموز .  
تحليل النص : على مستوى حجاجه :
صاغ النص أطروحته حول اختصاص الغنسان بالجهاز الرمزي الصانع للتعابير الرمزية كاللغة و ذلك بتوظيفه لمجموعة من الآليات الحجاجية منها :
اسلوب التمييز و التقسيم : ففي ضوء نتائج علم البيولوجيا حاول صاحب النص تقسيم الدائرة الوظيفية إلى قسمين : عند الإنسان و عند الحيوان ، كما حاول التمييز بينها ، لكون هذه الأخيرة عرفت تطورا كميا أدى بالتالي إلى تغيير نوعي .
اسلوب المقارنة : بين الإنسان و الحيوان
اسلوب التعريف : حيث عرف الإنسان بأنه حيوان رامز منتج للرموز متجاوزا بذلك تعريف كل من أرسطو و ديكارت
المناقشة
و لمناقشة أطروحة هذا النص يمكن إبراز الموقف التالية :
موقف ديكارت:
ينطلق ديكارت من قناعة مفادها أن الإنسان وحده الكائن الناطق أو بالأصح الكائن الرمزي الذي يستخدم اللغة المنطوقة/المكتوبة/الحركية للتعبير عن أغراضه ومشاعره وأفكاره… وأساس حضور اللغة (بمفهومها هذا) عند الإنسان هو وجود الفكر لديه ، كما أن علة غيابها عند الحيوان هي افتقاره إلى الفكر. وبهذا تكون عبارة : "الإنسان حيوان عاقل" مرادفة لعبارة "الإنسان حيوان ناطق" ، إذ أن العقل/ الفكر أساس النطق/ اللغة . فلا لغة دون فكر ».إن ما يدعى لغة حيوانية لا يعدو أن يكون حركات طبيعية لا تمثل في نهاية المطاف سوى ردود أفعال غريزية أو قابلة للبرمجة عن طريق الترويض ومن ثم قابلة للتوقع أو أنها استجابات آلية لمثيرات ودوافع. بدليل أن أكمل الحيوانات خلقة وأكثرها ذكاءا وأقدرها على إصدار أصوات كالببغاء لا تنطق نطقا يشهد أنها تعي ما تقول، ويظل "أداؤها اللغوي" دون مستوى أداء أغبى الأطفال أو مستوى الصم والبكم الذين حرموا أعضاء النطق لكنهم قادرون مع ذلك على ابتكار علامات يجعلون بها أفكارهم مفهومة. إن اللغة إذن وظيفة التعبير عن الفكر ودلالة على الوعي الذين ينفرد بهما الإنسان من منطلق كونه مركبا من جوهرين: الجسد وخاصيته الامتداد ثم النفس وخاصيتها التفكير. أما الحيوان فلا يملك غير الحركات الطبيعية أو الإنفعالات.لقد أبان ديكارت أنه يمكن اعتبار الأصوات التي تصدر عن الحيوان مجرد استجابات انفعالية لمؤثرات مرتبطة باللذة أو الألم. فالصوت المشروط باللذة أو الألم لا يمكن اعتباره إلا فعلا منعكسا شرطيا وليس تواصلا. إن اللغة ليست ظاهرة فسيولوجية، لذا يمكن القول بأن الحيوان لا يملك عقلا، ومن ثمة فهو غير قادر على استعمال اللغة.
موقف إميل بنفنيست
أما إميل بنفنيست، فيستند على نتائج علم الحيوانات ( الزولوجبيا ) من جهة والسيميولوجيا من جهة ثانية ليقر بأن الحيوانات كذلك تتواصل إلا أنها لا ترقى إلى نفس مستوى التواصل اللغوي عند الإنسان. فبالاعتماد على بعض التجارب التي أجريت على النحل، بين بنفينست أن النحلة تستطيع التواصل في إطار شروط فزيائية معينة، إلا أن هذا "التواصل" هو عبارة عن رقصات لا تستدعي الحوار: فلا يمكن لنحلة أن تعيد إنتاج رسالة نحلة أخرى (غياب الإرسال المجدد)، وموضوع الرسالة مرتبط دائما بشروط موضوعية ينحصر في مكان وجود الغذاء، لأن لغة الحيوان لغة نمطية، ومرتبطة باستمرار بدوافع غريزية. لذا لا يمكن أن نجد خلافا بين رسالة نحلة وأخرى، إلا فيما يخص متغيرات مرتبطة بالمكان. وأخيرا فإن لغة النحل لا تقبل التحليل (التفكيك) إلى عناصر وأجزاء صغرى نظرا لمحدودية مكوناتها. إن لغة النحل هذه لا تعبر فعلا ولا يمكنها أن تعبر سوى عن عدد محدود من المضامين بسبب محدودية عدد التأليفات والتنويعات الممكنة التي تقبلها لغة الرقصات، كما أنها لا تسمح بقيام حوار إذ تظل الرسالة في اتجاه وحيد دون استجابة لغوية من المتلقي، ودون إمكانية نقلها إلى طرف ثالث، كما تشترط الحضور الفعلي للموضوع الخارجي المشار إليه. وهذه القيود كلها تنفلت منها اللغة الإنسانية ، التي تسمح بالتأليف والتركيب بين عناصر متنوعة (الحروف، الكلمات، الجمل، الفقرات، السياقات...)، إذا تمفصلت فيما بينها يمكن أن تكون لها دلالات متعددة ولا متناهية بالاعتماد على عدد متناه من الحروف والكلمات
ولعل هذه الخاصية هي التي تميز اللغة الإنسانية عن غيرها من أنظمة التواصل لدى الحيوان. فكيف يمكن لأصوات (حروف الأبجدية مثلا) وكلمات (مفردات القاموس) متناهية العدد أن تعبر عما لانهاية له من المضامين؟ يعود ذلك إلى خاصية التمفصل المزدوج التي كشف عنها اللساني الفرنسي أندري مارتيني. وتتلخص في نوعين من التمفصل
·
التمفصل الأول: وهو عبارة عن تمفصل اللغة في شكل وحدات صوتية قادرة على التعبير عن خبرة معينة، فهذا النوع من التمفصل هو الذي بوسعه أن يقضي على فردانية الخبرة بتحويلها إلى خبرة لسانية جماعية. وميزة هذا التمفصل أنه اقتصاد لساني: فمن خلال وحدات صوتية محدودة، نستطيع أن نعبر عن تجارب متنوعة، مادامت الوحدات الصوتية تستطيع أن تدخل في سياقات أخرى جديدة، كما أنه اقتصاد سيكولوجي، لأنه يجنب الذاكرة البشرية الاضطرار إلى حفظ وحدات صوتية كثيرة، قد يصل عددها إلى عدد إلى عدد التجارب.(أصغر ما يمكن أن نطلق عليه اسم التفصل الأول هو الجملة).
·
التمفصل الثاني: وهو عبارة عن تمفصل فونيمات (فارغة من المعنى) في وحدات صوتية من التمفصل الأول؛ وهكذا يكون التمفصل الثاني أساس الأول، وميزته أنه يمثل اقتصادا لسانيا : فبواسطة فونيمات محدودة نستطيع إنشاء مورفيمات ومونيمات ودلائل متنوعة تستطيع بدورها أن تدخل في سياقات عديدة من التمفصل الأول. وميزته، كذلك، أنه يشكل اقتصادا فسيولوجيا : فبدونه، سيكون الإنسان مضطرا إلى ابتكار عدد كبير من الأصوات التي قد لا تطابق قدراته الفسيولوجية. من هذا نستنتج، أن النسق اللغوي ليس نسقا لانهائيا إلا من حيث تأليفاته؛ أما من حيث جذوره فإنه يعتبر محدودا. هكذا يستطيع الإنسان أن يعبر عن خبراته المتنوعة د ونما حاجة إلى خلق وحدات صوتية مطابقة لكل الأشياء والأحداث.(لفهم التمفصل الثاني يكفي أن نأخذ كمثل على ذلك الحروف الأبجدية فهي بضع حروف فرغة من المعنى لكن نستطيع أن نصنع بها آلاف الكلمات).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق