الأحد، 25 نوفمبر 2018


االمحور الثاني : الرغبة و الإرادة

إشكال النص:
ما الرغبة...؟ و ما علاقتها بالإرادة و الوعي ...؟ و هل يمكن الوعي بها؟ و هل لنا سلطة عليها ؟
الأطروحة
تشكل الرغبة حسب سبينوزا ماهية للإنسان، إذ أنها تتجذر في أعماقه. ولذلك فهي خاصة بالإنسان لأنها ترتبط بعنصر الوعي لديه. فالرغبة هي الوعي بما نشتهيه و نريده و نسعى إليهو إذا كان الإنسان يعي رغباته فهو يجهل عللها الحقيقية. ويرى اسبينوزا أن ما يسمى الإرادة هو في الواقع رغبات  أساسها جميعا حفظ بقاء الفرد ، فكل نشاط بشري مهما تنوع واختلف صادر عن هذه الرغبة في حفظ البقاء : شعر بذلك الإنسان أو لم يشعر يقول اسبينوزا في ذلك : (...إننا لا نسعى إلى شيء، ولا نريده ولا نشتهيه ولا نرغب فيه لكوننا نعتقده شيئا طيبا، بل نحن على العكس من ذلك نعتبره شيئا طيبا لكوننا نسعى إليه ونريده ونشتهيه ونرغب فيه) وإذا كان الإنسان يعتقد أنه يقوم بأفعاله تبعا لأرادته، فهذا ليس سوى مجرد وهم حسب اسبينوزا، ذلك أنه يجهل الدوافع العميقة واللاواعية لتلك الأفعال.
البنية المفاهيمية
Ø     الإرادة:  هي الجهد الذي تبذله النفس من أجل المحافظة على ذاتها. فالإرادة تتعلق إذن بالتفكير العقلي وبالقدرة على الاختيار.
Ø  الشهوة:  حسب سبينوزا هي ذلك الجهد الذي يبذله الجسم والنفس معا من أجل المحافظة على الذات، والقيام بما هو ضروري من أجل استمرارها. وقد اعتبرها سبينوزا "ماهية الإنسان ذاتها"
Ø     الرغبة:  هي الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها. أي أنها وعي الإنسان بما يشتهيه ويسعى إليه من أجل المحافظة على ذاته.
علاقة الإرادة بالشهوة: الإرادة هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس (العقل) من أجل المحافظة على حياة الإنسان واستمراريتها. والشهوة هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس والجسم معا من أجل استمرار الإنسان في الوجود. كما أن الشهوة هي ما يتحتم على الإنسان فعله لكي يبقى حيا.هكذا فالإرادة هي في خدمة الشهوة بحيث تزودها بالوعي، وتجعلها تتحقق وفقا لتدخل العقل.
علاقة الشهوة بالرغبةالرغبة هي تحقيق ما يشتهيه الإنسان بشكل واع. فالعلاقة قوية بين الرغبة والشهوة. غير أن الرغبة يختص بها الإنسان من حيث أنه كائن واع بشهواته، بينما الحيوانات الأخرى لها شهوات وليس لها رغبات، لأنها تفتقد إلى الوعي
البينية الججاجية
لتوضيح أطروحته، استخدم سبينوزا مجموعة من الآليات الحجاجية
1)    أسلوب العرض والتوضيح:  لمؤشر اللغوي الدال عليه: ( لما كانت... فهي إذن) و مفاده: إن النفس تحافظ على وجودها بواسطة ما تحمله من أفكار. ولما كانت النفس تعي ذاتها بواسطة هذه الأفكار، فهي إذن تعي ذلك الجهد الذي تبذله من أجل المحافظة على استمرارية وجودها
2)    أسلوب التعريف والتقسيم:  التمييز بين الإرادة والشهوةالإرادة = هي الجهد الذي تبدله النفس من أجل المحافظة على وجودها. و الشهوة = هي الجهد الذي تبدله النفس والجسم معا من أجل القيام بأمور ضرورية وحتمية بالنسبة لبقاء الانسان ووجوده.
3)    أسلوب الاستنتاجالمؤشر الدال عليه: (لقد غدا من الثابث من خلال ما تقدم أن...) و مضمونه: أن ما يجعل الشيء طيبا أو خيرا هو أننا نشتهيه ونرغب فيه، وليس العكس. هكذا نلحظ تأسيس سبينوزا للأخلاق على أساس الرغبة .
4)    أسلوب المثال: (فإذا قلنا مثلا...) مثال: بناء منزل.و مضمونه: لا تقتصر علة الرغبة في بناء المنزل في السكن فقط ، باعتباره علة غائية، بل هناك علل أخرى تقف وراء هذه الرغبة، وهي علل غالبا ما نجهلها
استنتاج:
تتميز فلسفة اسبينوزا عن سابقاتها بإعادة تعريفها لإنسان باعتباره كائنا راغبا : "الشهوة (الرغبة) ليست سوى  جوهر الإنسان ". وفي ذلك قطع مع الموروث الفلسفي السابق الذي يجعل من العقل جوهرا للإنسان، وعلى الخصوص الفلسفة الإغريقية مثل فلسفة أفلاطون وأرسطو، والذين اعتبروا الإنسان كائنا عقلا بالأساس، واعتبر أن الرغبة هي أساس الطبيعة الإنسانية وجوهرها.
الرغبة إذن هي الأساس عند اسبينوزا، فنحن لا نطلب الأشياء و لا نرغب فيها لحكمنا بأنها خير أو شر، بل إننا ندعو الشيء خيرا أو شرا بسبب رغبتنا فيه وطلبنا إياه أو كراهيتنا له. فلا حياة خلقية في هذا المجال، وإنما كل ما هنالك عبودية للشهوات.
المناقشة :
لموقف ج . ف . هيجل
يمكن القول بأن الرغبة والوعي متلازمان، فلكي يتجلى الوعي بصفته توجها نحو العالم الخارجي، ينبغي أن تحدد توجهه هذا رغبة ما. و وجود الإنسان ذاته، كوجود واع بذاته، يستلزم ويفترض الرغبة، فلكي يكون هناك وعي بالذات ينبغي أن تكون هناك رغبة، ولكي تكون هناك رغبة ينبغي أن يكون هنالك وعي بالذات، وبالتالي فالرغبة والوعي بالذات ما هما إلا أشيء واحد". فالوعي بالذات هو وعي راغب يتوجه نحو الخارج ليعود إلى الذات، فالرغبة لا تتجلى في شكل ميل إل حفظ الذات فحسب، وبل وتأكيد لها كذلك . فالذات تسعى إلى التعرف على نفسها في الأشياء التي تمثل أمامها كموضوع، فتقوم بتحويلها عن طريق الشغل أو الفن ... ومن جهة أخرى تسعى إلى الاعتراف بها من لدن الآخر أي من وعي آخر، لكن هذا الاعتراف لا يمنح وإنما تتنازعه الذوات، من تعرفها على ذاتها إلى الاعتراف بها هو انتقال من مجال الحياة العضوية أي الوجود الطبيعي للإنسان إلى مجال الحياة المجتمعية. إن وعي الذات بذاتها إذن يتحقق عبر/ بواسطة رغبة الاعتراف التي تحملها ذاتان متعارضتان كلاها ترغب في رغبة الأخرى، وهي مرحلة ضرورية في تطور الوعي ليصبح وعيا بالذات، حيث يعطي البشر معنى وقيمة لوجدهم وللعالم المحيط ب
موقف ج . لاكان
يقر لاكان أن "رغبة الإنسان تجد معناها في رغبة الآخر، لا لأن الآخر يحمل مفتاح موضوع الرغبة بل لأن أول موضوع للرغبة يجب أن يعترف به الآخر" ... باختلاف بسيط إذن فهيجل جعل الرغبة والوعي متلازمان في حين سوف يجعل لاكان من عنصر اللاوعي عنصرا آخر بعيد النظر في الذات المسيطرة على سلوكها وأهوائها ورغباتها؟. لكن الوعي غير متحكم في ميولاته ونزوعه . " لقد أظهرت مكتشفات التحليل النفسي أن الذات ليست سيدة مملكتها كما كان مترسخا في فلسفات الوعي، وقد تلبي رغبة دفينة في النفس وقفت العوائق الاجتماعية والثقافية حاجزا دون تحقيقها، عبر آليات العلم، فلتات اللسان، زلات القلم ...إلخ، وهذا ما أكده هو ما اعتبره سبينوزا عملا بالعلل الحقيقية للرغبة؟ أليس ذلك الجهل هو انعدام معرفة بخبايا النفس وأعماقها والتي سوف يضيف إليها اللاشعور إرضاءه هامة في تاريخ الفلس
تركيب :
يتضح إذن أن الرغبة مكون بشري، أساسي يشكل ماهية الإنسان، بصفته ذاتا واعية، تطور وعيها ليصبح وعيا بالذات من خلال جدلية الأنا والآخر، وبصفته ذاتا لا واعية في جزء منها حيث تخرج الرغبة عن مجال السيطرة والتقنين.







الأحد، 18 نوفمبر 2018

المحور الثالث : لماذا التفلسف ؟ 

تقديم : 

ما الذي يدفعنا إلى التفلسف؟ لربما لأن الأجوبة النهائية لا تدفعنا إلى طرح المزيد من الأسئلة ، و التالي ، لا تترك فينا أثرا للتعجب و الاندهاش . أو ربما لأن هذا الوجود و ما يحويه من ألغاز و ما يكتنفه من غموض يجعلنا لا نكتفي بتلك الأجوبة الجاهزة أو النهائية ؛ بل تدفعنا إلى اقتحام المجهول و استكشاف خباياه و أسراره . أو لعلنا كفلاسفة لا نكتفي بما يقدم إلينا من معارف و يقينيات مطلقة و تابثة ، بل طريقتنا في التفكير التي نتغياها و نختارها تختلف عن الطرق الأخرى السائدة داخل المجتمع . 

الظاهر أن الإنسان منذ ظهوره على سطح هذه الارض ما انفك يسائل هذا الوجود و يطرح عليه الأسئلة تلو الأسئلة ليملأ ثغرات وجوده و فراغاته بأجوبة ممكنة سرعان ما تنقلب تلك الأجوبة إلى أسئلة جديدة .. وهكذا دواليك ..

فهل فعل التفلسف الذي يصدر الذات المتفلسفة مرتبط بحيرة الحيرة و التعجب و الدهشة أم مرتبط بالعجز عن فهم هذا الوجود و كنهه و مفارقاته و ثنائياته الميتافيزيقية : موت / حياة ، خير / شر ، نور / ظلمة ... ؟ و هل ينحصر فعل التفلسف في الدهشة وحدها ؟ ألا يكون نصيب لتلك المحاولة الاستكشافية التي يقوم بها المتفلسف بحثا عن الحقيقة ؟ ألا يشكل البحثﻻعن الحقيقة امتلاكا لها و التالي الارتكان إلى الأفكار الوثوقية و الانقياد نحو خطابها السهل ؟ بأي معنى يمكن تقبل فكرة أن الشك هو تطويق و تقويض و هدم للفكر الوثوقي و الفكر الساذج ؟ كيف يمكن تأسيس حقيقة بشكل عقلاني ؟ 

أولا : أتعرف فعل التفلسف كدهشة 

موقف أرتور شوبنهاور ( 1860 _ 1788 ) 

يعتبر أرتور شوبنهاور أن للأسئلة الفلسفية أكثر من علاقة بالدهشة كحالة مصحوبة بتوتر ذهني و نفسي و ممزوجة بالقلق....,فهناك فرق بين الذي يعيش مندمجا في الاشياء حيث لا شيء بالنسبة إليه غريب او يثير فيه روح الحيرة و الاستغراب الذي يقوده إلى طرح التساؤلات، و هذا هو حال الناس العاديين ، التي تنحدر مرتبة الإنسان لديهم من حيث استعمال العقل و تقل غرابة الوجود في عيونهم و أبصارهم ، و بين ذاك الفيلسوف الذي يتخد مسافة من العالم حوله.

اهذه المسافة تجعل الفلاسفة يقفون من واقعهم موقف المتامل و المفكر في الأمور المتعلقة بالموت و الألم و بؤس الحياة . فالحياة ليست أبدية أو خالية من الألم ، حتى نجعلها في أعيننا مفهومة من تلقاء نفسها ، بلىهي على خلاف ذلك حياة مليئة بالصراعات و الخوف و البؤس و القلق و الموت . و مصدر دهشتناةبل و ذهولنا نابع من بؤر التوتر التي تتركها فينا تلك الأشياء. و لعل هذا هو مادفع بارسطو الى القول بان " الدهشة هي أم الفلسفة و منبعها الخصب " فما الدهشة الفلسفية ؟ 

الدهشة الفلسفية : 

الدّهشة عامة هي انفعال و رجّة وجدانيّة شديدة و عنيفة، و هي أيضا ذهول أمام شيء خارق للعادة و غير مألوف، إنها حالة نفسية مصحوبة بالتوتر والحيرة وشيء من الألم أحيانا، تحصل للفكر عندما يعجز عن إستيعاب وتمثل ظاهرة أو معطى وتصنيفه ضمن البنيات والمقولات السابقة فينشأ صراع وتحد معرفي داخلي؛

الدهشة الفلسفية: مختلفة عن الدهشة الطبيعية أو العادية من حيث أن هذه الأخيرة تحصل أمام الغريب وغير المألوف، بينما تحصل الأولى أمام المألوف والمعتاد ( مثال تقريبي لدهشة علمية: دهشة نيوتن- مكتشف الجاذبية – من ظاهرة جد مألوفة تتمثل في سقوط التفاحة إلى الأسفل وعدم سقوطها نحو الأعلى !!

كيف تكون الدّهشة، التّي هي تعبير عن الذهول و ذهاب العقل، علامة على بداية التّفكير الفلسفي، الذّي عرف على أنّه بالأساس، ممارسة عقليّة واعية ويقِظة ؟

وقد كان ظهور التفكير الفلسفي مقترنا بالدهشة فهذا أرسطو يقول « إن ما دفع الناس في الأصل وما يدفعهم اليوم الى البحوث الفلسفية الأولى هو الدهشة» ومن هنا كانت « الدهشة هي أم الفلسفة ومنبعها الخصب!» وذلك كما قال آرتور شوبنهاور « لأن الإنسان حيوان ميتافيزيقي، ومما لا شك فيه أنه عند بداية يقظة وعيه، يتصور فهم ذاته أمرا لا يحتاج الى عناء، غير أن ذلك لا يدوم طويلا: فمع اول تفكير يقوم به، تتولد لديه تلك الدهشة التي كانت على نحو ما، أصل الميتافيزيقيا». والمراد بالدهشة هنا ليس فقط الحيرة والتعجب بل هي حالة توتر ذهني ونفسي ممزوجة بالقلق ومفعمة بالاهتمام وأحيانا بالألم والمعاناة. 

وللدهشة علاقة بأكثر من مفهوم مثل: العزلة والغربة والانفصال والانفصام والذهول بل وحتى القطيعة. إلا أن الدهشة الفلسفية غير الدهشة العلمية أو العامية ذلك لأن العالم والعامي معا لا يندهشان إلا أمام الظواهر الغريبة النادرة بغية فهمها ومعرفة أسبابها كما قالت العرب«إذا عرف السبب زال العجب»، أما الفيلسوف فيتجاوزهما ليندهش أمام كل الظواهر بل وحتى أمام أكثر الأشياء والوقائع ألفة واعتيادا مستهدفا تأمل ذاته وعالمه لتكوين صورة واضحة المعالم عنهما

بالرغم من اختلاف أشكال التعبير الفلسفي باختلاف الفلاسفة, فإن الفلسفة تبدأ بالاندهاش
 . والدهشة كما يقول أرسطو هي التي دفعت الناس إلى التفلسف، وكما يذهب إلى ذلك شوبنهاور فالدهشة من الأمور المتعلقة بالم والألم والبؤس في الحياة، كانت هي الدافع الأقوى للتفكير الفلسفي والتفسير الميتافيزيقي للعالم. إن الاندهاش من الظواهر التي يعرفها الوجود, خاصة تلك التي لم يستطيع الإنسان أن يجد لها تفسيرا هي التي جعلته يتساءل، أو بقول هيدغر " إن اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالتساؤل". لكنه تساءل يحتاج إلى أجوبة أكثر إقناعا خاصة إذا ماسلمنا مع شوبنهاور بأن الدهشة الفلسفية تفترض في الفرد درجة أعلى من التعقل، بحيث ينقلب الاندهاش من الوجود والعالم الذي لاينفك يمثل لغزا للإنسان، في الفلسفة إلى مجموعة من الأسئلة المترابطة في ما بينها. وهذا يحيلنا إلى طبيعة السؤال الفلسفي وخصائصه ومميزاته ووظائفه .

صحيح أن كل الناس يتساءلون، لكن السؤال العادي يفترض إجابة بسيطة ونهائية،لكن التساؤل الفلسفي يتميز بالقصدية والشك القبلي في الجواب, كما يهدف إلى هدم الاعتقاد القبلي في امتلاك الجواب أو المعرفة، وهو سؤال ليس منعزلا بل ينتظم داخل تساءل فلسفي متناسق يجعل الجواب ذي طابع دقيق وبرهاني. بحيث يتمظهر هذا الجواب الفلسفي في صيغة خطاب فلسفي ضمن خطابات أخرى متعددة ،لدى فهو يسعى إلى إثبات صدقيته وتماسكه المنطقي. إن السؤال كخاصية أساسية للتفكير الفلسفي هو خاصية ملازمة لتاريخ الفلسفة وموجود منذ بداياتها, إذ كان سقراط يرتكز, في محاوراته أساسا, على طرح الأسئلة وذالك قصد بناء معرفة حقيقية بعيدة عن الوهم والاعتقاد البديهي بامتلاك حقائق الأشياء. وهو اعتقاد غالبا ما يحاربه الفيلسوف وذلك بوضع الحقائق بمحك الفحص والنقد. الشئ الذي أدى إلى أن تنتج الفلسفة إحدى آليات فعل التفلسف " الشك المنهجي" على يد رينيه ديكارت، فالشك يقتضي وضع كل الأشياء موضع تساءل، وذلك قصد الوصول إلى الحقيقة، وبتعبير ديكارت إن أحكاما كثيرة تمنعنا من الوصول للحقيقة وتتشبث بنفوسنا تشبثا يبدوا لنا معه أنه من المحال أن نتخلص منها ما لم نشرع في الشك من جميع الأشياء التي قد نجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين. إن الشك، كتجربة تعيشها الذات تجاه حقائق معينة، يعمل على نقد وفحص أسس هذه الأحكام وإعادة بناءها على أسس أكثر عقلانية، على اعتبار أن العقلانية أساس من أسس فعل التفلسف. فإذا كان الفيلسوف يتفلسف بدافع من اندهاشه, ومن أجل المعرفة الحقة, وبفعل شكه المنهجي، فإنه يتفلسف كذلك انطلاقا من ضرورة إعمال العقل والنقد، أي أن التفلسف يقوم على النظر العقلي الذي يفحص موضوعه من أجل معرفته معرفة حقه. فالعقل هو مصدر معارفنا، أي إقامتها على معيار العقل ولا شيءﻻغير العقل . 

إن الفلسفة تجعل من الوجود الإنساني وقضاياه الميتافيزيقية موضوعا لها، كما تجعل من نتائج المعرفة موضوعا للتأمل. إضافة إلى ذلك فإن للتفكير الفلسفي توابث تجعل منه تفكيرا متميزا عن باقي أنماط التفكير الأخرى. إنه تفكير يعتمد على الدهشة والتساؤل والشك المنهجي, كما أنه تفكير نقدي، و شمولي، وعقلاني ونسقي. والذين يتساءلون عن دور الفلسفة وعن فائدتها اليوم إنما يعلنون عن سر الفلسفة من حيث هي خطاب ضد العنف بجميع أشكاله وضد تشيئ الإنسان أمام التقدم العلمي والتكنولوجي وضد الخطاب الواحد، وبهذا المعنى يمكن أن نردد مع اليفر ليمان "إننا قد نكون على أعتاب مجتمع مابعد الحداثة إلا أننا لسنا على أعتاب مجتمع ما بعد الفلسفة"

الأحد، 4 نوفمبر 2018

                                                      

                                                  3 – الفلسفة المعاصرة:
تقديم :
من أهم الأحداث التي عرفتها الفلسفة المعاصرة هناك حدثان بارزان: يتمثل الأول في الثورة العلمية في مجال العلوم الدقيقة كالرياضيات و الفيزياء و البيولوجيا . و يتمثل الثاني في ظهور ما يسمى بالعلوم الإنسانية  كعلم النفس و علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا. و قد استفادت الفلسفة المعاصرة من هذين الحدثين، فاتجه اهتمامها أولا إلى دراسة و نقد المعرفة العلمية في إطار ما يسمى بالدراسات الإبستمولوجية. و اتجه اهتمامها ثانيا إلى دراسة الإنسان و الاهتمام بقضاياه الأساسية، كمسألة الإدراك و الوعي و علاقتهما بالعالم، و كذلك البحث عن معنى الوجود الإنساني و معالجة القضايا السياسية
و الاجتماعية.
كما يمكن ان نشير أيضا إلى اهتمام كثير من الفلاسفة المعاصرين بنقد المفاهيم الفلسفية الكلاسيكية، في محاولة منهم لتجاوز الفلسفة الميتافيزيقية و إعادة الاعتبار للجوانب المهمشة و اللامفكرة فيها.
·       نماذج من الفلسفة المعاصرة:
النموذج الأول:  إدغر موران  Edgar Morinنص ص 31:
-   إن المعرفة العلمية حسب إدغار موران لا تعكس الواقع كما هو، و في كليته، بل هي عبارة عن نظريات ينشئها العلماء بغية فهم الواقع و ترجمته إلى علاقات و معادلات رياضية و علمية. و النظريات العلمية في نظر موران قابلة للتكذيب والتجاوز، و تعويضها بنظريات أخرى.
-   يرى إدغار موران أن تاريخ العلوم هو تاريخ انفصالات و تحولات و قطائع، إذ أن كل نظرية علمية لاحقة تلغي السابقة و تتجاوزها، فتصبح هذه الأخيرة من جملة الأخطاء العلمية.
-   إن هناك علاقة جدلية بين المعرفة العلمية و الخطأ؛ فالمعرفة العلمية هي خطأ تم تصحيحه، لذلك فهي في صراع دائم مع الخطأ و لا يمكن تصورها بمعزل عنه. و هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على نسبية المعرفة العلمية و انفتاحها على كل ما هو جديد.
-   يعتبر إدغار موران أن النظريات العملية فانية، أي أنها قابلة للتكذيب عن طريق الكشف عن الأخطاء الكامنة فيها، أو عن طريق الكشف عن عدم مسايرتها لمستويات و أبعاد جديدة في الواقع. لذلك فهي ذات طابع نسبي، و قابلة للنقد و التجاوز. و هذا لا يتنافى مع طابعها العلمي.
-   <الحجة بالمثال> هي إحدى الأساليب الحجاجية التي يستخدمها الفلاسفة لتوضيح أفكارهم، و إقناعنا بها. و وظيفة مثال <جبال الجليد> في النص هي التأكيد على أن هناك أجزاء و مستويات في النظريات العلمية تبقى غامضة و قاصرة عن عكس الواقع في جميع مستوياته، و هذا ما يجعلها قابلة للنقد و التجاوز. و هي تشبه في ذلك جبال الجليد في البحار القطبية التي لا يظهر إلا الجزء الصغير منها، بينما الجزء الأكبر يبقى منغمرا في الثلوج.



النموذج الثاني:  جان بول سارتر: j.p.sartre    نص ص 32
-   مؤلف النص: هو الفيلسوف الفرنسي الكبير جان بول سارتر (1950 – 1980). أسس نزعة فلسفية تحت اسم <الوجودية>، كما انصب اهتمامه حول مجالات العمل و السياسة. و هو صاحب العديد من الأعمال الروائية التي عكست الكثير من القضايا و الموضوعات الفلسفية التي اهتم بها.
لقد آمن سارتر بحرية الإنسان و التزامه، و كان مفكرا ملتزما سياسيا و فكريا بقضايا التحرر من الاستعمار، و الميزة العنصري، و الاضطهاد الفكري.
-   يرى سارتر بأن الإنسان مسؤول عن نفسه و عن الآخرين في نفس الوقت؛ فمسؤوليته ذاتية و جماعية في آن واحد. و المسؤولية تعني هنا أنه لا يجب على الإنسان أن يفعل الشر، أي أن يقوم بما من شأنه أن يضر  به أو بالآخرين.
-   إن مسؤولية الإنسان عند سارتر لا تتعارض مع القول بحريته، ذلك أن الحرية لا تعني هنا الفوضى و اتباع الأهواء و الغرائز و المصالح الذاتية، بل إنها حرية مقننة و منضبطة للمبادئ الإنسانية و الواجبات الأخلاقية التي تراعي المصالح المشتركة للناس جميعا.
النموذج الثالث: فريدريك نيتشه f.Nietzsche  (1544 – 1900)
نص ص 32:
·        مؤلف النص:
ولد فريدريك نيتشه بألمانيا سنة 1844، عين سنة 1869 أستاذا للفلسفة بجماعة بال.
كان نيتشه يكتب ضد الفلسفات التي تبنى في أنساق مثل فلسفات أفلاطون و كانط و هيجل، و كذلك الفلسفات التي تقوم على الماهيات الثابتة و الخالدة، مثل فلسفة أرسطو. كما كان نيتشه يرفض القيم الأخلاقية المطلقة.
من بين مؤلفاته :<العلم المرح> <هكذا تكلم زرادشت><فيما وراء الخير و الشر>.
-   الحقيقة عند نيتشه هي جملة من الخطابات اللغوية التي تعبر عن علاقات و مصالح و أهداف يسعى الإنسان إلى تحقيقها على أرض الواقع. و تعتمد هذه المنطوقات على لغة استعارية و مجازية لا تنقل أشياء الواقع كما هي في حقيقتها الأصلية، بل تنقلها من منظور محدد. و هذا ما يجعل تلك التصورات حول الحقيقة تعتمد على سلطة الإكراه، المتمثلة في المؤسسات و الهياكل السياسية و الدينية و الاجتماعية التي تضمن التعمير الطويل للحقيقة و ترسيخها بين الناس، على أساس أنها دقيقة و مشروعة و لاشك في صحتها .
-   الحقيقة حسب نيتشه هي أوهام منسية. ذلك أن ما اعتبره الناس لأزمان طويلة انه حقائق مطلقة و مقدسة، ليست في واقع الأمر كذلك. فهي مجرد تصورات نسبية هدفها حفظ الحياة و تحقيق الهدنة الاجتماعية. إن الكشف عن أصل الأفكار يظهر أن مصدرها الوهم و الخطأ الناتج عن التلاعب باللغة من جهة، و طمس حقائق الأشياء من أجل المصلحة من جهة أخرى.
-   إذا كانت الحقيقة عند نيتشه مجرد أوهام و استعارات و تشبيهات، فهذا يعني أنها لا تعبر عن الواقع كما هو، بل عن الواقع كما تراه جهة معينة من الناس. لهذا السبب يجب الإقرار مع نيتشه بنسبية الحقيقة و اختلافها باختلاف الخطابات المعبرة عنها، و الأهداف التي تتحكم و تقف وراء بلورتها.
و من جهة أخرى فالحقيقة عند نيتشه ترتبط بالسلطة، و لا يمكن تصورها بمعزل عنها؛ ذلك  أن السلطة هي التي توفر  المؤسسات و الهياكل و الآليات التي من شأنها أن تفرض الحقائق على العقول، و تثبت وجودها على أرض الواقع.
-      هكذا يتبين مع نيتشه أن الإنسان لا يريد الحقيقة من أجل ذاتها، بل إنه  يطمع في العواقب الممتعة
و النافعة المترتبة عنها، أو أنه على الأقل يتوهم أنها تحقق له تلك الفوائد.
خلاصة تركيبية:        الفلسفة المعاصرة
يتبين من خلال النماذج التي تطرقنا إليها أن الفلسفة المعاصرة اهتمت كثيرا بموضوع العلم و بتحليل و نقد المعرفة العلمية، و هو ما تم في مجال الحقل الابستمولوجي. كما انصب اهتمام الفلاسفة المعاصرون حول قضايا واقعية مرتبطة بالوجود الإنسان، كمسألة الحرية و المسؤولية و الالتزام في أبعادها الأخلاقية و السياسية و الاجتماعية. و من جهة أخرى فقد انصب معظم اهتمام الفلسفة المعاصرة حول نقد و مراجعة الفكر التقليدي الميتافيزيقي، و العمل على مجاوزته من أجل تأسيس فكر فلسفي جديد يستجيب للحظة الراهنة.


الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

أولى باكالوريا أدبية و علمية : 
درس الرغبة
(وفق مقرر  : " في رحاب الفلسفة " )

مدخل إشكالي:


كثيرا ما اعتبرت الرغبة مشكلة في الفلسفة الكلاسيكية وذلك لأن طبيعتها متناقضة، أو أنها في جميع الأحوال ملتبسة والواقع أن الرغبة بحث عن موضع نعرف أو نتصور أنه مصدر إشباع، ومن تم فهي تكون مصحوبة بالعناء أو بإحساس الفقد والحرمان. ومع ذلك تبدو الرغبة كما لو أنها ترفض إشباعها مادام أنها بالكاد تشبع، وتستعجل ميلادها من جديد. إنها تعقد وتبقى على علاقة غامضة مع موضوعها: فالرغبة تريد أن تشبع ولا تريد.وبانتقالها من موضع إلى موضوع تكون الرغبة غير محدودة أو أنها مضطرة إلى نوع من اللاإشباع جذري وهذا دون شك هو ما جعل تقليدا فلسفيا يدينها أو يرفضها غير أن الفلسفة المعاصرة ستعاود إعطاء الرغبة مكانة تامة، وستنيطها بقيمة إيجابية. فمن حيث إن الرغبة قوة إثبات، فإنها ستعبر عن ماهية الإنسان ذاته، إذ أنها مصدر إبداع لذاته ولأعماله.هكذا يمكن أن نخلص إلى جملة من المفارقات التي تكشف عن هذا البعد الإشكالي لمفهوم الرغبة:واعية # لا واعية ، إشباع # لا إشباع ، رغبة# حاجة  ، رغبة # لا إرادة ، محدودة# لا محدودة ، واحدة# متعددةمتناهية# لا متناهية ، سعادة# شقاء  لذة# ألم ، ثبات# تغير  ، إثبات # نفيتأسيا على هذه المفارقات يمكن صياغة الإشكال الآتي:ما طبيعة الرغبة؟ وكيف تتحدد علاقتها بالحاجة؟ وهل يمكن للحاجة أن تتحول إلى رغبة؟ وإذا كانت الرغبة ميلا حول موضوع يكون مصدر إشباع، فهل هو ميل واعي إرادي أم لا؟ هل يمكن للإنسان أن يعي رغباته؟ وإلى أي حد يمكن الوعي بالرغبة؟ وهل إشباع الرغبة يحقق السعادة أم الشقاء؟ وإلى أي مدى تتوقف سعادة الإنسان على إشباع الرغبات؟ 

 

المحور الأول : الرغبة والحاجة


هدف المحور:


أن تتعرف على علاقة الرغبة والحاجة، وكيفية تحول الحاجة إلى رغبة لا شعورية.سؤاله الإشكالي: ما طبيعة الرغبة؟ وكيف يمكن أن تتحول الحاجة إلى رغبة لا شعورية؟. وهل العلاقة بين الرغبة والحاجة علاقة اتصال أم انفصال؟

تحليل نص ص 30 ل ميلاني كلاينصاحبة النص: (1882-1960) محللة نفسانية نمساوية متخصصة في علم نفس الطفل من أعمالها " علم نفس الطفل"

إشكال النص:


 كيف تتحدد علاقة الرغبة والحاجة؟ وهل يمكن أن تتحول الحالة الطبيعية الجسدية إلى رغبة نفسية لا شعورية ؟ وما أثر ذلك في تكوين شخصية الطفل مستقبلا.


أطروحته:


 تحول الحاجة إلى رغبة نفسية لا شعورية، وأثر التوتر بين الرغبة وإشباعها في تكوين شخصية الفرد مستقبلا.


العناصر الحجاجية:

 

اعتمدت صاحبة النص على الأساليب التالية : -أسلوب العرض و التفسير : حيث بينت أن علاقة الرضيع بأمه لا تقتصر على إشباع الحاجة إلى الطعام بل تتعداها إلى رغبة التخلص من الدوافع التدميرية مستندة على واقعة علمية لدراسة الراشدين الراغبين في أم حامية حاضنة.- أسلوب المقارنة : حيث قارنت بين طريقتين من الإرضاع ( إحداها تلتزم بالمواعيد المحددة للإرضاع والأخرى مفتوحة ومرتهنة إلى رغبات الطفل، لتبرز أنه في الطريقتين معالا يتمكن الطفل من تلبية رغباته أو تحقيقها،- أسلوب التوكيد : استنادها على الواقع ( واقع الراشدين) لتؤكد على أن على أن الإحباط غير المبالغ فيه الرغبات الطفل يمكنه من التكيف السليم مع العالم الخارجي وتطور مفهوم الواقع لديه، بل إن من شأن الرغبات غير المشبهة ( المكبوتة) أو أن تفتح الطريق التصعيد ومت تم القدرة على الإبداع. و تأكيدها على أن غياب الصراع أو التوثر بين الرغبة وإشباعها سيمنع الفرد من تكوين شخصيته وإغنائها وتأكيد أناه من منطلق أن ذلك الصراع قد يشكل أساس الفعل الإبداعي لديه.يتضح أنه نتيجة لنوعية العلاقة بين الحاجة والرغبة، وما يطبع هذه العلاقة من توثر وصراع ضمن فعل الإشباع يتحدد تكوين الشخصية وقدراتها الإبداعية في المستقبل. فيتضح كيف أن العلاقة بين الحاجة والرغبة تأخذ طابعا نفسيا لا شعوريا فإذا كانت الحاجة مرتبطة بإثارة فيزيولوجية تتميز بالضرورة .


 مناقشة النص: 


و لمناقشة أطروحة هذه النص يمكن استحضار موقف الأنثروبولوجي الأمريكي " رالف لينتون " ، الذي أقام نظرية حول علاقة الثقافات بالشخصية ، مجسيبا عن التساؤل التالي : ألا يمكن للحاجة أن تتحول أيضا إلى رغبة ثقافية أو أنها تخضع للبعد الثقافي في الإنسان ؟ فمن خلال استثمارنا لنصه ( ص 31 ) يمكن القول بأن اللباس يشكل ، بيولوجيا، حاجة للحماية من الحر و القر. و و أنثروبولوجيا رغبة في الحصول على منزلة اجتماعية أو تعبيرا عن نشاط جنسي  مثمثل في الإثارة ، كما أنه قد يعني نشاطا ثقافيا مرتبطا بمعتقدات الحشمة أو الحياء، أو مرتبطا بالرغبة باعتبارها ميولات جمالية كالحصول على الإعجاب أو رغبة في تحريك رغبات جنسية ، أو كبتا لها . و معنى ذلك أنه إذا كان الإنسان كائنا ذو وجود مزدوج طبيعي وثقافي فإن من شأن حاجاته البيولوجية المرتبطة بخصائصه الجسمانية أن تتحول إلى رغبات ثقافية وتخضع لتوجيه البعد الثقافي والاجتماعي للإنسان.كما يمكن إغناء مناقشة هذا النص بموقف الفيلسوف اليوناني أفلاطون ، من خلال استثمارنا لنصه ( ص 29 ) و الذي ميز  ما بين الرغبة المشروعة و الغير مشروعة و أظهر أن العقل و القوانين هي الأطراف الكابحة للرغبات الغير المشروعة لكنها تتمثل أثناء الأحلام و التخيلات و حتى بالنسبة للناس العقلاء . فالنص يعرض لتصور يقوم بتمجيد للعقل مانحا إياه الأولوية في مقابل الرغبة ، على خلفية استبعاد تام لمفهوم اللاوعي ، انطلاقا من الثنائية التالية : 
-  قوة عاقلة وهي مبدأ التفكير، والتفكير يمنحها امتياز الأمر والنهي ورعاية النفس بأسرها؛
-  قوة شهوانية لا عاقلة هي مبدأ الإنفعالات من حب وخوف وغضب وجوع وعطش.
وفي الواقع، يميز أفلاطون بين ثلاث قوى في النفس الإنسانية : عاقلة، شهوانية (الحاجات البيولوجية) وغضبية (انفعالات النفس).وبالتالي يمكن التحكم في الحاجيات والرغبات الإنسانية لأن مبدأ العقل مهمته الحكم والسهر على النفس الغضبية والنفس الشهوانية.

خلاصة تركيبية للمحور:

تأكد من خلال هذا المحور أن هناك علاقة اتصال بين الحاجة والرغبة. لكن هل يمكن تصور حدود فاصلة بينهما؟ الواقع أن الحاجة عبارة عن إثارة فيزيولوجية مرتبطة بطبيعة الذات، وبهذا المعنى فهي تتعارض مع مفهوم الرغبة التابع لإرادة الذات، ويعبر نتيجة لذلك عن عرض إلا أن نقد ضرورة الحاجة في مقابل عرضية الرغبة سيؤدي إلى إعادة النظر في الحدود الفاصلة بين المفهومين فإذا استثنيا بعض الحاجات الأساسية المرتبطة بطبيعة الكائن الحي، فإنه بالإمكان القول أن كل حاجة لدى الإنسان هي رغبة من الناحية العملية، ليتضح أن التمييز بين هذين المفهومين لا يمكن تصوره سوى على المستوى النظري خاصة مع إمكانية تحول الحاجة إلى رغبة نفسية لا شعورية أو إلى رغبة ثقافية. إذا كانت الرغبة ميلا واعيا نحو موضوع يحقق الإشباع ، فكيف تتحدد علاقة الرغبة مع الإرادة؟ و هل بمقدور الإنسان أن يحصل الوعي برغبات؟ 

http://dorosefalsafia.blogspot.com