الأحد، 25 نوفمبر 2018


االمحور الثاني : الرغبة و الإرادة

إشكال النص:
ما الرغبة...؟ و ما علاقتها بالإرادة و الوعي ...؟ و هل يمكن الوعي بها؟ و هل لنا سلطة عليها ؟
الأطروحة
تشكل الرغبة حسب سبينوزا ماهية للإنسان، إذ أنها تتجذر في أعماقه. ولذلك فهي خاصة بالإنسان لأنها ترتبط بعنصر الوعي لديه. فالرغبة هي الوعي بما نشتهيه و نريده و نسعى إليهو إذا كان الإنسان يعي رغباته فهو يجهل عللها الحقيقية. ويرى اسبينوزا أن ما يسمى الإرادة هو في الواقع رغبات  أساسها جميعا حفظ بقاء الفرد ، فكل نشاط بشري مهما تنوع واختلف صادر عن هذه الرغبة في حفظ البقاء : شعر بذلك الإنسان أو لم يشعر يقول اسبينوزا في ذلك : (...إننا لا نسعى إلى شيء، ولا نريده ولا نشتهيه ولا نرغب فيه لكوننا نعتقده شيئا طيبا، بل نحن على العكس من ذلك نعتبره شيئا طيبا لكوننا نسعى إليه ونريده ونشتهيه ونرغب فيه) وإذا كان الإنسان يعتقد أنه يقوم بأفعاله تبعا لأرادته، فهذا ليس سوى مجرد وهم حسب اسبينوزا، ذلك أنه يجهل الدوافع العميقة واللاواعية لتلك الأفعال.
البنية المفاهيمية
Ø     الإرادة:  هي الجهد الذي تبذله النفس من أجل المحافظة على ذاتها. فالإرادة تتعلق إذن بالتفكير العقلي وبالقدرة على الاختيار.
Ø  الشهوة:  حسب سبينوزا هي ذلك الجهد الذي يبذله الجسم والنفس معا من أجل المحافظة على الذات، والقيام بما هو ضروري من أجل استمرارها. وقد اعتبرها سبينوزا "ماهية الإنسان ذاتها"
Ø     الرغبة:  هي الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها. أي أنها وعي الإنسان بما يشتهيه ويسعى إليه من أجل المحافظة على ذاته.
علاقة الإرادة بالشهوة: الإرادة هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس (العقل) من أجل المحافظة على حياة الإنسان واستمراريتها. والشهوة هي ذلك الجهد الذي تبذله النفس والجسم معا من أجل استمرار الإنسان في الوجود. كما أن الشهوة هي ما يتحتم على الإنسان فعله لكي يبقى حيا.هكذا فالإرادة هي في خدمة الشهوة بحيث تزودها بالوعي، وتجعلها تتحقق وفقا لتدخل العقل.
علاقة الشهوة بالرغبةالرغبة هي تحقيق ما يشتهيه الإنسان بشكل واع. فالعلاقة قوية بين الرغبة والشهوة. غير أن الرغبة يختص بها الإنسان من حيث أنه كائن واع بشهواته، بينما الحيوانات الأخرى لها شهوات وليس لها رغبات، لأنها تفتقد إلى الوعي
البينية الججاجية
لتوضيح أطروحته، استخدم سبينوزا مجموعة من الآليات الحجاجية
1)    أسلوب العرض والتوضيح:  لمؤشر اللغوي الدال عليه: ( لما كانت... فهي إذن) و مفاده: إن النفس تحافظ على وجودها بواسطة ما تحمله من أفكار. ولما كانت النفس تعي ذاتها بواسطة هذه الأفكار، فهي إذن تعي ذلك الجهد الذي تبذله من أجل المحافظة على استمرارية وجودها
2)    أسلوب التعريف والتقسيم:  التمييز بين الإرادة والشهوةالإرادة = هي الجهد الذي تبدله النفس من أجل المحافظة على وجودها. و الشهوة = هي الجهد الذي تبدله النفس والجسم معا من أجل القيام بأمور ضرورية وحتمية بالنسبة لبقاء الانسان ووجوده.
3)    أسلوب الاستنتاجالمؤشر الدال عليه: (لقد غدا من الثابث من خلال ما تقدم أن...) و مضمونه: أن ما يجعل الشيء طيبا أو خيرا هو أننا نشتهيه ونرغب فيه، وليس العكس. هكذا نلحظ تأسيس سبينوزا للأخلاق على أساس الرغبة .
4)    أسلوب المثال: (فإذا قلنا مثلا...) مثال: بناء منزل.و مضمونه: لا تقتصر علة الرغبة في بناء المنزل في السكن فقط ، باعتباره علة غائية، بل هناك علل أخرى تقف وراء هذه الرغبة، وهي علل غالبا ما نجهلها
استنتاج:
تتميز فلسفة اسبينوزا عن سابقاتها بإعادة تعريفها لإنسان باعتباره كائنا راغبا : "الشهوة (الرغبة) ليست سوى  جوهر الإنسان ". وفي ذلك قطع مع الموروث الفلسفي السابق الذي يجعل من العقل جوهرا للإنسان، وعلى الخصوص الفلسفة الإغريقية مثل فلسفة أفلاطون وأرسطو، والذين اعتبروا الإنسان كائنا عقلا بالأساس، واعتبر أن الرغبة هي أساس الطبيعة الإنسانية وجوهرها.
الرغبة إذن هي الأساس عند اسبينوزا، فنحن لا نطلب الأشياء و لا نرغب فيها لحكمنا بأنها خير أو شر، بل إننا ندعو الشيء خيرا أو شرا بسبب رغبتنا فيه وطلبنا إياه أو كراهيتنا له. فلا حياة خلقية في هذا المجال، وإنما كل ما هنالك عبودية للشهوات.
المناقشة :
لموقف ج . ف . هيجل
يمكن القول بأن الرغبة والوعي متلازمان، فلكي يتجلى الوعي بصفته توجها نحو العالم الخارجي، ينبغي أن تحدد توجهه هذا رغبة ما. و وجود الإنسان ذاته، كوجود واع بذاته، يستلزم ويفترض الرغبة، فلكي يكون هناك وعي بالذات ينبغي أن تكون هناك رغبة، ولكي تكون هناك رغبة ينبغي أن يكون هنالك وعي بالذات، وبالتالي فالرغبة والوعي بالذات ما هما إلا أشيء واحد". فالوعي بالذات هو وعي راغب يتوجه نحو الخارج ليعود إلى الذات، فالرغبة لا تتجلى في شكل ميل إل حفظ الذات فحسب، وبل وتأكيد لها كذلك . فالذات تسعى إلى التعرف على نفسها في الأشياء التي تمثل أمامها كموضوع، فتقوم بتحويلها عن طريق الشغل أو الفن ... ومن جهة أخرى تسعى إلى الاعتراف بها من لدن الآخر أي من وعي آخر، لكن هذا الاعتراف لا يمنح وإنما تتنازعه الذوات، من تعرفها على ذاتها إلى الاعتراف بها هو انتقال من مجال الحياة العضوية أي الوجود الطبيعي للإنسان إلى مجال الحياة المجتمعية. إن وعي الذات بذاتها إذن يتحقق عبر/ بواسطة رغبة الاعتراف التي تحملها ذاتان متعارضتان كلاها ترغب في رغبة الأخرى، وهي مرحلة ضرورية في تطور الوعي ليصبح وعيا بالذات، حيث يعطي البشر معنى وقيمة لوجدهم وللعالم المحيط ب
موقف ج . لاكان
يقر لاكان أن "رغبة الإنسان تجد معناها في رغبة الآخر، لا لأن الآخر يحمل مفتاح موضوع الرغبة بل لأن أول موضوع للرغبة يجب أن يعترف به الآخر" ... باختلاف بسيط إذن فهيجل جعل الرغبة والوعي متلازمان في حين سوف يجعل لاكان من عنصر اللاوعي عنصرا آخر بعيد النظر في الذات المسيطرة على سلوكها وأهوائها ورغباتها؟. لكن الوعي غير متحكم في ميولاته ونزوعه . " لقد أظهرت مكتشفات التحليل النفسي أن الذات ليست سيدة مملكتها كما كان مترسخا في فلسفات الوعي، وقد تلبي رغبة دفينة في النفس وقفت العوائق الاجتماعية والثقافية حاجزا دون تحقيقها، عبر آليات العلم، فلتات اللسان، زلات القلم ...إلخ، وهذا ما أكده هو ما اعتبره سبينوزا عملا بالعلل الحقيقية للرغبة؟ أليس ذلك الجهل هو انعدام معرفة بخبايا النفس وأعماقها والتي سوف يضيف إليها اللاشعور إرضاءه هامة في تاريخ الفلس
تركيب :
يتضح إذن أن الرغبة مكون بشري، أساسي يشكل ماهية الإنسان، بصفته ذاتا واعية، تطور وعيها ليصبح وعيا بالذات من خلال جدلية الأنا والآخر، وبصفته ذاتا لا واعية في جزء منها حيث تخرج الرغبة عن مجال السيطرة والتقنين.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق