الأحد، 4 نوفمبر 2018

                                                      

                                                  3 – الفلسفة المعاصرة:
تقديم :
من أهم الأحداث التي عرفتها الفلسفة المعاصرة هناك حدثان بارزان: يتمثل الأول في الثورة العلمية في مجال العلوم الدقيقة كالرياضيات و الفيزياء و البيولوجيا . و يتمثل الثاني في ظهور ما يسمى بالعلوم الإنسانية  كعلم النفس و علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا. و قد استفادت الفلسفة المعاصرة من هذين الحدثين، فاتجه اهتمامها أولا إلى دراسة و نقد المعرفة العلمية في إطار ما يسمى بالدراسات الإبستمولوجية. و اتجه اهتمامها ثانيا إلى دراسة الإنسان و الاهتمام بقضاياه الأساسية، كمسألة الإدراك و الوعي و علاقتهما بالعالم، و كذلك البحث عن معنى الوجود الإنساني و معالجة القضايا السياسية
و الاجتماعية.
كما يمكن ان نشير أيضا إلى اهتمام كثير من الفلاسفة المعاصرين بنقد المفاهيم الفلسفية الكلاسيكية، في محاولة منهم لتجاوز الفلسفة الميتافيزيقية و إعادة الاعتبار للجوانب المهمشة و اللامفكرة فيها.
·       نماذج من الفلسفة المعاصرة:
النموذج الأول:  إدغر موران  Edgar Morinنص ص 31:
-   إن المعرفة العلمية حسب إدغار موران لا تعكس الواقع كما هو، و في كليته، بل هي عبارة عن نظريات ينشئها العلماء بغية فهم الواقع و ترجمته إلى علاقات و معادلات رياضية و علمية. و النظريات العلمية في نظر موران قابلة للتكذيب والتجاوز، و تعويضها بنظريات أخرى.
-   يرى إدغار موران أن تاريخ العلوم هو تاريخ انفصالات و تحولات و قطائع، إذ أن كل نظرية علمية لاحقة تلغي السابقة و تتجاوزها، فتصبح هذه الأخيرة من جملة الأخطاء العلمية.
-   إن هناك علاقة جدلية بين المعرفة العلمية و الخطأ؛ فالمعرفة العلمية هي خطأ تم تصحيحه، لذلك فهي في صراع دائم مع الخطأ و لا يمكن تصورها بمعزل عنه. و هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على نسبية المعرفة العلمية و انفتاحها على كل ما هو جديد.
-   يعتبر إدغار موران أن النظريات العملية فانية، أي أنها قابلة للتكذيب عن طريق الكشف عن الأخطاء الكامنة فيها، أو عن طريق الكشف عن عدم مسايرتها لمستويات و أبعاد جديدة في الواقع. لذلك فهي ذات طابع نسبي، و قابلة للنقد و التجاوز. و هذا لا يتنافى مع طابعها العلمي.
-   <الحجة بالمثال> هي إحدى الأساليب الحجاجية التي يستخدمها الفلاسفة لتوضيح أفكارهم، و إقناعنا بها. و وظيفة مثال <جبال الجليد> في النص هي التأكيد على أن هناك أجزاء و مستويات في النظريات العلمية تبقى غامضة و قاصرة عن عكس الواقع في جميع مستوياته، و هذا ما يجعلها قابلة للنقد و التجاوز. و هي تشبه في ذلك جبال الجليد في البحار القطبية التي لا يظهر إلا الجزء الصغير منها، بينما الجزء الأكبر يبقى منغمرا في الثلوج.



النموذج الثاني:  جان بول سارتر: j.p.sartre    نص ص 32
-   مؤلف النص: هو الفيلسوف الفرنسي الكبير جان بول سارتر (1950 – 1980). أسس نزعة فلسفية تحت اسم <الوجودية>، كما انصب اهتمامه حول مجالات العمل و السياسة. و هو صاحب العديد من الأعمال الروائية التي عكست الكثير من القضايا و الموضوعات الفلسفية التي اهتم بها.
لقد آمن سارتر بحرية الإنسان و التزامه، و كان مفكرا ملتزما سياسيا و فكريا بقضايا التحرر من الاستعمار، و الميزة العنصري، و الاضطهاد الفكري.
-   يرى سارتر بأن الإنسان مسؤول عن نفسه و عن الآخرين في نفس الوقت؛ فمسؤوليته ذاتية و جماعية في آن واحد. و المسؤولية تعني هنا أنه لا يجب على الإنسان أن يفعل الشر، أي أن يقوم بما من شأنه أن يضر  به أو بالآخرين.
-   إن مسؤولية الإنسان عند سارتر لا تتعارض مع القول بحريته، ذلك أن الحرية لا تعني هنا الفوضى و اتباع الأهواء و الغرائز و المصالح الذاتية، بل إنها حرية مقننة و منضبطة للمبادئ الإنسانية و الواجبات الأخلاقية التي تراعي المصالح المشتركة للناس جميعا.
النموذج الثالث: فريدريك نيتشه f.Nietzsche  (1544 – 1900)
نص ص 32:
·        مؤلف النص:
ولد فريدريك نيتشه بألمانيا سنة 1844، عين سنة 1869 أستاذا للفلسفة بجماعة بال.
كان نيتشه يكتب ضد الفلسفات التي تبنى في أنساق مثل فلسفات أفلاطون و كانط و هيجل، و كذلك الفلسفات التي تقوم على الماهيات الثابتة و الخالدة، مثل فلسفة أرسطو. كما كان نيتشه يرفض القيم الأخلاقية المطلقة.
من بين مؤلفاته :<العلم المرح> <هكذا تكلم زرادشت><فيما وراء الخير و الشر>.
-   الحقيقة عند نيتشه هي جملة من الخطابات اللغوية التي تعبر عن علاقات و مصالح و أهداف يسعى الإنسان إلى تحقيقها على أرض الواقع. و تعتمد هذه المنطوقات على لغة استعارية و مجازية لا تنقل أشياء الواقع كما هي في حقيقتها الأصلية، بل تنقلها من منظور محدد. و هذا ما يجعل تلك التصورات حول الحقيقة تعتمد على سلطة الإكراه، المتمثلة في المؤسسات و الهياكل السياسية و الدينية و الاجتماعية التي تضمن التعمير الطويل للحقيقة و ترسيخها بين الناس، على أساس أنها دقيقة و مشروعة و لاشك في صحتها .
-   الحقيقة حسب نيتشه هي أوهام منسية. ذلك أن ما اعتبره الناس لأزمان طويلة انه حقائق مطلقة و مقدسة، ليست في واقع الأمر كذلك. فهي مجرد تصورات نسبية هدفها حفظ الحياة و تحقيق الهدنة الاجتماعية. إن الكشف عن أصل الأفكار يظهر أن مصدرها الوهم و الخطأ الناتج عن التلاعب باللغة من جهة، و طمس حقائق الأشياء من أجل المصلحة من جهة أخرى.
-   إذا كانت الحقيقة عند نيتشه مجرد أوهام و استعارات و تشبيهات، فهذا يعني أنها لا تعبر عن الواقع كما هو، بل عن الواقع كما تراه جهة معينة من الناس. لهذا السبب يجب الإقرار مع نيتشه بنسبية الحقيقة و اختلافها باختلاف الخطابات المعبرة عنها، و الأهداف التي تتحكم و تقف وراء بلورتها.
و من جهة أخرى فالحقيقة عند نيتشه ترتبط بالسلطة، و لا يمكن تصورها بمعزل عنها؛ ذلك  أن السلطة هي التي توفر  المؤسسات و الهياكل و الآليات التي من شأنها أن تفرض الحقائق على العقول، و تثبت وجودها على أرض الواقع.
-      هكذا يتبين مع نيتشه أن الإنسان لا يريد الحقيقة من أجل ذاتها، بل إنه  يطمع في العواقب الممتعة
و النافعة المترتبة عنها، أو أنه على الأقل يتوهم أنها تحقق له تلك الفوائد.
خلاصة تركيبية:        الفلسفة المعاصرة
يتبين من خلال النماذج التي تطرقنا إليها أن الفلسفة المعاصرة اهتمت كثيرا بموضوع العلم و بتحليل و نقد المعرفة العلمية، و هو ما تم في مجال الحقل الابستمولوجي. كما انصب اهتمام الفلاسفة المعاصرون حول قضايا واقعية مرتبطة بالوجود الإنسان، كمسألة الحرية و المسؤولية و الالتزام في أبعادها الأخلاقية و السياسية و الاجتماعية. و من جهة أخرى فقد انصب معظم اهتمام الفلسفة المعاصرة حول نقد و مراجعة الفكر التقليدي الميتافيزيقي، و العمل على مجاوزته من أجل تأسيس فكر فلسفي جديد يستجيب للحظة الراهنة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق