الشخص بين الضرورة و الحتمية
الشخص بين الضرورة و الحتمية
تأطير إشكالي
يولد الشخص مزودا بفطرة و رغبات ، و ينمو و يكبر داخل مجتمع له معاييره و عاداته و طقوسه و رموزه الثقافية . فمن منظور التحليل النفسي ، و كما سبق الذكر ، يعتبر الشخص محكوما بإكراهات بيولوجية و ثقافية تتجلى في هيمنة اللاشعور الذي يمثل الرغبات المكبوتة .
إذا كانت التصورات الفلسفية السابقة التي تناولت الشخص على مستوى هويته و مستوى قيمته ، تعتبره ذاتا معرفية و أخلاقية تنبع من إرادة مشكلة لصورة مثالية له، منطلقة مما يجب أن يكون ، فهل يمكن اعتبار هذه الصورة متحققة على أرض الواقع ؟ إذا كان الأمر كذلك ، فما مدى حرية الشخص في تركيب و تحقيق تلك الصورة ؟ أليست هناك ضرورات و حتميات نفسية و اجتماعية و ثقافية و تاريخية تفرض على الشخص تصرفات لا دخل له فيها ؟
كإجابة عن تساؤلات هذه الإشكالية التي تحصر الشخص في كونه فاعلا و مريدا و حرا و في نفس الوقت خاضعا لضرورات و حتميات تكبل له تلك الإرادة و تلك الحرية ، ينتقد الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا ( 1632 – 1677 ) التصورات العامية التي تعتبر أن الإنسان حر في اختياراته ، يتصرف وفق مشيئته . فلا توجد حرية إنسانية تجعل من الشخص كائنا أسمى من الطبيعة . فأن يكون الإنسان حر معناه أن يمتثل للضرورة التي تفرضها عليه طبيعته. فسلوك الإنسان يكون محكوما بالرغبات و الشهوات . فكل شيء جزئي مهما تعددت استعداداته هو بالضرورة مجبر من طرف علة خارجية على أن يكون و على أن يتصرف على نحو معين . يصدق هذا الكلام على الإرادة و الوعي الإنسانيين .
أما فيلسوف الشخصانية ، إيمانويل مونييه ( 1905 – 1945 ) ، فهو يرى أن الشخص ، حتى و إن كان يعيش وسط جماعة ، فإنه يحافظ على استقلاليته و تميزه ، بل أكثر من ذلك ، يجب على المجتمع أن يساعده على ذلك و ذلك بوضع نظام شرعي قانوني . فحرية الفرد ، حسب مونييه ، تتم انطلاقا من تطوير قدراته و ميولاته بشكل فردي و بإرادة شخصية و بمساعدة المجتمع .
أما فيلسوف الوجودية جان بول سارتر ( 1905 – 1980 ) فإنه يعتبر أن ماهية الشخص هي حريته . و الشخص لا يعتبر مشروعا يتحدد دائما به ، إلا إذا كان هذا المشروع من اختياره . فالشخص بهذا المعنى ، هو دائم التجاوز لوضعيته الأصلية بواسطة الأنشطة التي يمارسها .
يتميز الشخص ، حسب ، سارتر ، بالتعالي عن وضعيته ، فهو بواسطة الفعل و الحركة و الخلق يستطيع أن يختار ماهيته و بالتالي مشروعه ، و يتحمل ، بالتالي مسؤولية الأفعال التي تصدر عنه كشخص يبني مصيره بيده ، فليس الإنسان شيئا آخر إلا ما هو صانع بنفسه .
أما سيغموند فرويد فإنه يعتبر أن الشخص محكوم ، بيولوجيا ، بواسطة نظام الهو ، ذلك الخزان من الغرائز البيولوجية و الرغبات المكبوتة . و معنى هذا أن اللاوعي هو الموجه الرسمي للوعي و أن الأنا لا يعتبر سيد نفسه . فوراء حياة الشعور حياة لاشعورية تختزن كل الرغبات المكبوتة منذ عهد الطفولة المبكرة . فهذه الدوافع اللاشعورية تتحكم فيه غريزتان أساسيتان : غريزة اللبيدو و هي قوى بيولوجية تسعى إلى تحقيق اللذة الجنسية . و غريزة الموت و هي تلك الميول العدوانية الرامية إلى الكراهية و تدير الذات .
خلاصة تركيبة
نستخلص من خلال تحليل مفهوم الشخص ، سواء على مستوى هويته الذاتية أو على مستوى قيمته أو على مستوى خضوعه أم عدم خضوعه للضرورات و للحتميات ن الاستخلاصات التالية :
- صعوبة تحديد هذا المفهوم الفلسفي ، النابعة من كونه مفهوما مركبا يفترض مقاربات عديدة حقوقية و و أخلاقية و سياسية و علمية إلى جانب المقاربة الفلسفية ، لتحديده .
- هوية الشخص تشكل مفارقة فلسفية كبيرة ، لكون ارتباطها من جهة ، بالشعور و بالذاكرة ، و من جهة أخرى ارتباطها بالإرادة التواقة إلى التحرر و التغيير .
- الشخص كائن له قيمة يستمدها من كفاءته العقلية و كفاءته الأخلاقية اللذان يتحدان معا ليشكلا ذلك الكائن العاقل و الأخلاقي الذي يسهم مع غيره من الأشخاص في بناء الذات و المجتمع و التاريخ و الحضارة الإنسانية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق