الجمعة، 8 فبراير 2019


المجزوءة الثانية : الطبيعة و الثقافة
المحور الأول : الإنسان كائن ثقافي
أولا : أتعرف اللغة كمظهر ثقافي
تحليل نص كلود ليفي ستراوس: الإنسان كائن لغوي:
مدخل:
يتميز الإنسان عن باقي الكائنات بالعقل، وهو ما جعله كائنا ثقافيا بامتياز، وتتجلى ثقافته في العديد من المظاهر والتجليات، ومن أبرزها: اللغة، والمؤسسات، وأنماط العيش، والتبادل.
  • فبأي معنى يمكن اعتبار الإنسان كائنا لغويا ؟ وبأي معنى يمكن اعتبار اللغة مظهرا من مظاهر الثقافة لدى الإنسان؟
التعريف بصاحب النص:
كلود ليفي ستراوس: هو مفكر أنثروبولوجي فرنسي معاصر، مولود في فبراير من سنة 1908 و توفي سنة 2008 زعيم البنيوية في فرنسا، اهتم بالانترويولوجيا خصوصا وبالعلوم الإنسانية عموما، حيث اهتم بالخصوص بدراسة المجتمعات التي يطلق عليها المجتمعات البدائية/ قام بتحليل الثقافات القديمة غير الغربية، درس الأساطير والنظم الثقافية، وقارن فيما بينها، من أهم مؤلفاته: “الأنثربولوجيا البنيوية”، و”الفكر المتوحش”، و”من النيئ إلى المطبوخ”، و”عرق وتاريخ” و”البنى الأولية للقرابة” …
أطروحة النص:حسب كلود ليفي ستراوس الإنسان كائن لغوي بامتياز، وما يجعله فريدا ومميـزا هو امتلاكه للغة، إذن فصناعة الأدوات ، حسبه لیست علامة ممیـزة للثقافة ، بل اللغة المنطوقة.
إشكالية النص: ما الذي یجعل من الإنسان كائنا ثقافیا ؟ و كیف السبیل إلى وضع خط فاصل بین الثقافة والطبیعة؟
بنية النص: رفض صاحب النص معيار صنع الأدوات باعتباره علامة مميـزة للثقافة، لأننا نجد الحيوانات أيضا تقوم بمحاولات لصنع الأدوات، أي رفض فكرة تعريف الإنسان بأنه صانع كعلامة مميـزة للثقافة، كما اعتبـر ستراوس بأن اللغة هي الظاهرة الثقافية بامتياز، وهي العلامة المميـزة للثقافة عن الطبيعة، ذلك لأننا نتعلم ثقافة المجتمع وعاداته من خلال تعلم اللغة، كما أنها (اللغة) هي الوسيلة الأساسية للتواصل وتبادل الأفكار ونقلها من جيل إلى آخر، ويمكن النظر إلى المظاهر الثقافية كسنن، ذلك أن الثقافة ظاهرة رمزية لها قوانينها الخاصة يمكن فهمها من خلالها، ما يجعل الإنسان منتميا إلى عالم الثقافة هي قدرته على التواصل اللغوي مع أفراد جماعته البشرية.
البنية المفاهمية:
تشكل النص من بنية مفاهيمية أساسها المفاهيم التالية : الطبيعة ، الثقافة ، الأشياء المصنوعة ، اللغة المنطوقة ، التواصل . سنحاول أن نحلل هذه البنية المفاهيمية انطلاقا من الأزواج المفاهيمية التالية :
الطبيعة / الثقافة : يحاول صاحب النص أن يقيم علاقة تقابلية ما بين هذين المفهومين ، على أساس أنها علاقة تضاد
الاشياء المصنوعة / اللغة المنطوقة : ترتبط الأشياء المصنوعة بالكائن سواء كان حيوانا أو إنسانا ، و هي بهذا المعنى لا تشكل حدا فاصلا بين الثقافة و الطبيعة ، عكس اللغة المنطوقة التي اعتبرت معيارا لدخول الإنسان إلى حالة الثقافة .
اللغة المنطوقة / التواصل : اللغة سلسلة من الأصوات الدالة المتوافق عليها عند جماعة لغوية معينة تستعملها كأداة للتبليغ والتواصل. هذا الأخير حقق تاريخيا عملية الولوج إلى عالم المجتمع و الثقافة .
البنية الحجاجية:
كما تشكل النص أيضا من بنية حجاجية أساسها الأساليب التالية :
أ – أسلوب الدحض: انتقد كلود ليفي ستراوس الأطروحات الانثروبولوجية والفلسفية التي تعتبـر أن صنع الأدوات هو ما يميز الثقافة عند الإنسان . و المؤشر اللغوي الدال على ذلك في النص هو : “ إنني لست متفقا مع هذا الرأي… “
ب – أسلوب الافتراض: “لنفترض أننا التقينا ” والهدف من هذا المثال هو بيان أن صنع الأدوات لا يشكل ميزة للإنسان عكس اللغة.
د -أسلوب الاستدراك:  حاول الكاتب أن يشرح الفكرة المنتقدة التي تفيد أن صنع الأدوات ليس معيارا للثقافة ليستدرك و يقول من خلال افتراضه الأول و الثاني أن التواصل و اللغة النطوقة يشكلان المعيار الحقيقي للثقافة .و المؤشر اللغوي الدال على في النص هو : «  لكن لنتخيل … “
خلاصة تركيبية
بعد القيام بتحليل النص على المستووين المفاهيمي و الحجاجي نستخلص ما يلي :
صناعة الأدوات ليست علامة مميزة للثقافة،
ما يجعل الإنسان إنسانا وينتمي إلى عالم الثقافة هو قدرته على التواصل اللغوي اللساني مع أفراد مجموعته البشرية
اللغة أداة أساسية و وسيلة تميز الإنسان عن باقي الموجودات باعتباره كائنا ثقافيا، ويرجع السبب في اعتراضه على معيار صنع الأدوات كحد فاصل بين الطبيعة والثقافة هو قدرة بعض الحيوانات على محاولة صنع الأدوات ورغم ذلك لن تتمكن من تخطي حالة الطبيعة لولوج حالة الثقافة.بينما تعتبـر اللغة خاصية إنسانية محضة لذا يُكنَى الإنسان بالكائن اللغوي.


الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018


المحور الرابع: معالم التفكير الفلسفي و نمط اشتغاله
أتعرف معنى السؤال الفلسفي
السؤال الفلسفي عموما يفترض مسبقا شكا في الجواب باعتباره معرفة، وهو لا يمكن أن يطرح إلا على الشخص الذي يمتلك المعرفة.فإبراز خصوصية السؤال لا يعني أن هذا الأخير مرادف للاستفهام أو الاستفسار أو الاستخبار و الاستنطاق السؤال "هو تلك الحَرَكَة التي يغَيِّر فيها الوجود مَجْراه فيظهر كإمكانية مرهونة بدورة الزمان." كما يقول موريس بلا نشو. إنه إِنْشَاءٌ وابْتِكَارٌ وإِبْدَاعٌ وتَشْكِيلٌ لاَ يَرْتَبِطُ بِمَا سِوَاهُ، ولا يَفْتَرِضُ وُجُودَ ما يسْأَلُ عنه." .
إن إبداع وابتكار السؤال الفلسفي يفترض نوعا من الشجاعة و ينطوي على مخاطر ومغامرة قد تؤدّي إلى السجن أو الموت والدليل على ذلك سقراط نفسه الذي حكم عليه بالإعدام بتجرع السم ، و التهمة هي إفساد عقول الشباب .إبراز أن صِنَاعَة وابتكار السؤال الفلسفي، ليس تأَمُّلاً وليس تَجْرِيداً، بل هو انخراط عَمَلِيٌّ في الحياة عبر التاريخ البشري، ومساهمة جذْرِيَّة في صُنْع الحضارة الإنسانية. إننا نعيش في عصْرٍ أَرْسَى دعائمه ديكارت من خلال السؤال الفلسفي عن الذَّات باعتبار هذه الأخيرة ضَامِنَةً للحقيقة ومقياسا للتجربة. فمن سقراط إلى ديكارت وكنط،و نيتشه وهيدغر.. شَكَّلت صياغات السؤال الفلسفي، صياغات لحياة الإنسان ذاتها، كما شَكّل غياب الفلسفة انتصارا للهمجية والوحشية والحروب ومختلف أشكال الحقارة والوضاعة والانحطاط التي يعرفه الإنسان اليوم.فبيان أن تَفَكُّك الذات مع ظهور فلسفات اللاشعور (نيتشه-فرويد-ماركس)، فَتَحَ آفاقاً جديدة لطرح السؤال الفلسفي حول الموجود من حيث هو وجود  مع الفيلسوف الألماني هيدجر، و من ثمة تتم مساءلة الفلسفة باعتبارها تاريخ نسيان وإهمال الوجود الذي يعني في تاريخ الفلسفة: الحضور خارج الزمان. هيدغر يطرح السؤال الفلسفي بخصوص الوجود والزمان باعتبارهما هذا اللاّمُفَكَّر فيه في تاريخ  الميتافيزيقا، ذلك أنها تطرح السؤال عما هو موجود في الموجود.لقد شَكَّل نقد وتفكيك الميتافزيقا أكبر مهام الفلسفة المعاصرة، إذ يُصبح السؤال الفلسفي الجذري يؤسس لهذا اللاّمُفَكَّر فيه.
الخلاصة أن السؤال الفلسفي الجوهري الذي يُطرح الآن في فترتنا المعاصرة هو سؤال ما بعد الحداثة، إنه سؤال الأسئلة. كيف ننخرط في عصرنا، عصر العلم والتقنية، ذلك أنه لا يجوز أن نعيش في عصر بِقِيم وأفكار ومعاني 
عصر آخر
. لقد ولَّدت صدمة الحداثة عندنا تمزقات وخلقت تشوهات ذهنية ومعرفية و سلوكية ومؤسسية كبيرة، وترتب عنها حالة انفصام وجداني ومعرفي ووجودي  معَمَّم. الفلسفة ليست مجرّد مذاهب أو أفكار قد نقبلها أو نرفضها، بل إنها نمط الحياة والوجود، ذلك أنها تتجَذَّر في كل شيء في العمران و التنظيم  الاجتماعي وا لسياسي و الاقتصادي، في أنماط السلوك والقِيم  و العادات والعلاقات العائلية، في الأدب والفن، وفي المُتَخَيَّل، بل حتى في القدسي.. الفلسفة هي قدرنا المحتوم، وهو ليس خَيْرًا في ذاته كما لا يعتبر شَرًّا في ذاته ، يقول عبد الله العروي: إن إنكار الثقافة الغربية لا يُشَكِّل 
 في حَدِّ ذاته ثقافة، والرَّقْصُ المَسْعُور حول الذّات المفقودة لن يجعلها تنبعث كالعنقاء من رمادها

مصطلحات فلسفية

 
الممكن : هو ما يقبل الاحتمال و غير خاضع لحتمية ما أو لضرورة معينة تفرض وجوده . و يسمح بالانفتاح و توسيع آفاق الخيال و التفكير و الإبداع
الدوغمائية : ز تعني الوثوقية و المقصود بها التشبت بحقائق و مبادئ يعتقد انها صحيحة و ثابتة
التأمل : و هو تفكير حر و مركز لا يخضع لأي ضابط غير الضوابط العقلية
العرض : هو شرح قضية عامة ( فكرة النص او اطروحته )تتصدر القول و تطرح كقضية تقريرية ثم الانتقال من هذه القضية العامة إلى عناصرها الجزئية التي تؤدي وظيفة الشرح و التوسيع و التوضيح
القسمة : هي تفكيك المفهوم إلى انواعه الجزئية و تحديد لمجالاته المختلفة ز و تقوم القسمة بغرض توضيح المفهوم و شرحه


الاثنين، 24 ديسمبر 2018


المحور الثالث من درس اللغة: اللغة والسلطة
السلطة: هو كل إكراه يمارس على الفرد ضدا على إرادته ووعيه، سواء كان إكراها بيولوجيا {الغريزة} أو سيكولوجيا {اللاشعور} أو سيسيولوجيا {اللغة،القوانين...}.
0 -اللـــغة والســــلطة: تأطير إشكالي: كيف ترتبط اللغة بالسلطة؟ هل اإلنسان حر في الكالم كما يشاء دون أن يتقيد بأي قاعدة أو تقليد؟ أليس للكلمات سلطة على الذات المتكلمة؟ أال يمارس المجتمع سلطته على الفرد من خالل اللغة؟ هل لكلمة الطيبوبة معنى في غياب القوة ؟
-تحليل نص جورج غيسدورف
إشكالية النص : كيف تبدو العلاقات الإنسانية في ارتباطها بسلطة الكلمات وبالأنظمة التراتبية الاجتماعية؟ كيف يؤدي الإخلال بسنن اللغة إلى تهديد النظام الاجتماعي؟ إلى أي حد تعمل اللغة على إخراجنا من قوقعة الذات نحو عالم الآخرين؟ بأي معنى نفهم أن اللغة هي السبب الرئيس في شقاء الوعي الإنساني؟ وكيف يعد هذا الشقاء ضروريا؟
أطروحة النص :
أفكار النص : * عالم العلاقات الاجتماعية عالم تسوده سلطة الكلمات التي نتواصل بها وفقا لما يفرضه المجتمع . * كل فرد ملزم باحترام سنن اللغة التي يفرضها عليه النظام الاجتماعي، وكل إخلال به يهدد توازن هذا النظام، وتوازن الذات . * وعي الشخص وإستقلاله لا يتحققان في غياب التنظيم الذي تدخله اللغة وإستعماالتها الصحيحة والتي بها ينفتح على العالم وعلى الآخرين من أمثاله .
أساليب النص ووظائفها : اأسلوب الـــــجمل الـــــــوظيفة
العرض .. عرض العلاقة القائمة بين المجتمع واللغة كنظام إجتماعي . التمثيل .... إثبات أن المجتمع يفرض سلطته على أفراده من خالل سنن لغوي عليهم إستعماله على نحو صحيح .. "إن إدخال النظام على الكلمات، هو في نفس الوقت إدخال النظام على أفكارنا، وتنظيم العالقات بين الناس "
... الاستنتاج
مــــــناقشة: :)نيتشه ( أطـــــروحة النص
للكلمات معنى يحدده القوي بسلطته التي يفرضها على الضعفاء وعلى األشياء، فتسمية األشياء سلطة يتصارع حولها األقوياء والضعفاء . أفـــــــكار النص : * )أنظر نص نيتشه: ما الذي يجعل القوي يحكم على أفعاله بأنها طيبة؟، (. تــــركيب : بعد هذا الطواف التأملي، يمكننا أن نخلص إلى أن اللغة سلطة يفرض من خاللها المجتمع سلطته على أفراده، ويلزمهم بالخضوع لسننه، على أن إبداع اللغة وتحديد معانيها شيء يصنعه األقوياء فحسب، فيما يكتفي العبيد بلوكها في معيشهم اليومي . المفاهيم : اللغة : حسب الالند تعني وظيفة التعبير الكالمي عن الفكر داخليا وخارجيا، وتعني كذلك كل نسق من العالمات يمكن أن يتخذ وسيلة للتواصل. وفي معجم الروس للساني هي قدرة إنسانية على التواصل بواسطة اللسان، وهي قدرة تستخدم تقنية جسدية معقدة وتفترض وظيفة رمزية ومراكز عصبية متخصصة وراثيا. الفكر: مجموع العمليات النفسية التي يطلب اإلنسان بواسطتها مبادئ األشياء إعتمادا على التأمل والترتيب والقصدية. السلطة: كل إكراه يمارس على الفرد ضدا على وعيه وإرادته، سواء كان إكراها بيولوجيا)الغريزة( أو سيكولوجيا)الالشعور...( أو سوسيولوجيا )اللغة، القوانين، االخالق...(
_نيتسه كفيلسوف ألماني حاول في كتابه جنيالوجيا الأخلاق، أن يرصد العلاقة القائمة بين اللغة والفكر، من خلال استقطابه لمنطق الفقراء والنبلاء ، معتبرا أن كل التسميات التي تطلق من طرف الفقراء، هي تسميات فرضة ذاتها كفعل على هذه الطبقة الكادحة، حيث الطيبون فرضو سلطة الطيبوبة عن طريق الفعل والممارسة. كل هذا وحسب #نيتسه يعطينا المعاني الكبرى والعامة في المجتمعات {حكم النبلاء للفقراء والعبيد}
- أطروحة رومان جاكو بسون : نعتبر اللغة في النظرية التواصلية لجاكوسيون أداة تبليغ للمعرفة والأفكار والمشاعر والمعلومات في إطار من الوضوح والشفافية بشرط توفر العناصر التالية : ا- السياق 2 – المرسيل 3 – الرسالة 4 – المرستل إليه إلا نضال السنن (اللسان المشترك) لكن هذه الوظيفة التواصلية للغة باعتبارها علاقة نقل خبر أو معلومات وأن هذه المعلومات هي بالتعريف تظهر على نحو صريح مكشوف أمام المتلقى قد أضحت موضع تساؤل من طرف اللسانيين أنفسهم فهل تكون اللغة أداة شفافة وبريئة تمكن من نقل الأخبار بهذا الوضوح والشفافية ؟ ألا يمكن أن نقول العكس، أن اللغة أداة إخفاء وكتمان وكذب ؟ .
2- أطروحة ديكرو : يرى ديكرو أن العلاقات بين الذوات لاترتد إلى التواصل بمعناه الضيق : وإنما تندرج تحت طائلة من العلاقات البشرية لا يصبح فيها اللسان أداة تواصل فقط، وإنما إطار مؤسسا تقوم عليه تلك العلاقات، لايصبح اللسان شرطا للحياة الاجتماعية فقط وإنما بمطالها، يحقد معها براءته، وشفافيته، هذا ما تؤكده التجربة اليومية، ذلك أن اللغة ليست وسيطا نريها وشفافا بين الدوان المتخاطبة بل كثيرا ما تنقلب إلى آلية للإخفاء والكتمان، أو التظاهر بالإخفاء بواسطة آلية الاخصار، تتحول معها اللغة إلى قواعد لعب يومي لا بالمعنى السطحي للكلمة وإنما كاستراتيجية يعتمد الحساب والتقدير المسبقين للنتائج، لايتحمل معها المتكلم مسؤولية النطاق بها. تعود ضرورة الاخمار هذه في العلاقات الاجتماعية إلى مجموعة من المحرمات اللغوية والدينية والاجتماعية والثقافية وإلى عوامل نفسية لاشعورية أو شعورية، ولاتقف هذه الإكراهات عند هذا الحد بل هناك إكراهات وإلزامات أخرى تفرض سلطتها على المتكلم تسمى بالإكراهات اللسانية فما هي هذه الاكراهات ؟ وكيف تفرض اللغة تسيطرتها على المتكلم ؟ .
الإشكالإن الإنسان حيوان لغوي وهو الوقت نفسه حيوان عاقل. ولذلك هناك ارتباط قوي بين اللغة والعقل؛ فهذا الأخير يستخدمها للتعبير عن أفكاره. لكن هل باستطاعة عقل الإنسان أن يستخدم اللغة بحرية كاملة؟ ألا يمكن القول بأن اللغة تمارس سلطة قمعية على الإنسان؟ لكن أين تتجلى هذه السلطة؟ هل في الشكل أم المضمون؟ هل هي سلطة تتعلق بالبنية التركيبية الداخلية للغة أم بارتباطها بالمؤسسات الاجتماعية والأشخاص الناطقين باسمها ؟
1- أطروحة رولان بارت:
· 
سنستخلص أطروحة رولان بارت والأفكار المرتبطة انطلاقا من النص، ص55:
يعتبر رولان بارت أن «اللغة تشريع واللسان سننه»، ولعل المقصود بذلك هو أن اللغة ملكة إنسانية توجد عند جميع الناس، والإنسان يشرع بها قوانينا ويعبر بها عن أفكار وتصورات ومشاعر إلا أنه لا يمكنه ذلك إلا باللجوء إلى الرموز اللسانية التي تترجم من خلالها الأفكار والمشاعر تبعا لقواعد وضوابط كل لسان. فاللغة إذن في حاجة إلى اللسان، إذ يمثل تحققها الفعلي على أرض الواقع
لكن كيف يمارس الإنسان التعبير عن طريق اللسان؟ هل يمارس الإنسان اللسان واللغة بشكل حر؟ ألا يمكن القول بأن للسان سلطة قمعية على الإنسان؟ وأين تتجلى هذه السلطة؟
لقد اعتبر بارت أن اللسان يتضمن سلطة خفية تمارس علينا بشكل دائم بحيث لا ننتبه إلى طابعها القمعي. وتتجلى سلطة اللسان في أنه يخضع لنظام وترتيب وتحكمه قواعد نحوية وصرفية وتركيبية، ونحن حينما نتكلم به فنحن ننضبط لتلك القواعد بالضرورة وإلا أنتجنا كلاما غير مفهوم أو خارج عن الصواب. وهذا يعني أن اللغة تمارس علينا سلطة من خلال خضوعنا لبنيتها التركيبية الداخلية، فهناك إذن سلطة محايثة للغة وكامنة بداخلها
ولتوضيح هذه الفكرة وتدعيمها قدم لنا رولان بارت الأمثلة التالية من اللغة الفرنسية:
إنني ملزم في اللغة الفرنسية أن أبدأ بالفاعل قبل الفعل، وهذا مخالف للغة العربية مثلا حيث نبدأ فيها بالفعل ثم الفاعل بعد ذلك. مما يعني أن لكل لغة بنية تركيبية تمارس من خلالها سلطة وإلزاما على المتحدث بها.
أنا ملزم في اللغة الفرنسية أيضا بأن أتحدث بصدد الأشياء عن المذكر أو المؤنث، أما المحايد فهو غير متاح وغير ممكن. وهذا يعبر عن نوع من الإلزام الذي يحد من حريتي في ممارسة اللغة والتعبير عن أشياء الواقع.
إنني ملزم أيضا في اللغة الفرنسية إما أن أخاطب الآخر بضمير المخاطب العادي “أنت” أو ضمير المخاطب المعظم “أنتم”، أما تعليق تعاملي مع الآخر اجتماعيا وعاطفيا فممنوع علي.
هكذا يبين رولان بارت أن سلطة اللغة هي سلطة داخلية وبنيوية تتعلق ببنية اللغة ذاتها.؛ حيث تتكون اللغة من عناصر تتحكم فيها علاقات حتمية وضرورية تنعكس على حرية المتكلم بها إذ تقيده بالقواعد والضوابط التي تحكم هذه البنية الداخلية للغة.
انطلاقا من كل هذا، فأن نتكلم ليس هو أن نتواصل بل أن نسود ونسيطر. فاللغة إذن لا تمكننا من تبليغ أفكارنا كما نريد من جهة،إذ تتيح لنا التعبير عن بعضها وتحجب عنا بعضها الآخر تبعا لبنية كل لسان على حدة، كما أنها من جهة أخرى تمكننا من استخدامها للتأثير على الآخر وإخفاء أفكارنا عنه، وكأن اللغة هنا هي لعبة أقنعة فيها الإظهار والإخفاء، الصدق والكذب.
ويتحدث رولان بارت عن خاصيتين أساسيتين للسان هما:
أ‌سلطة الإثبات والتوكيد القطعي: ذلك أن الإنسان يعتمد في إثباته أو نفيه لأفكار ما أو الشك فيها على أدوات لغوية تتعلق برموز اللسان وقواعده النحوية والإعرابية والتركيبية. كما يتحدث بارت عن أقنعة خاصة باللغة، ولعل المقصود بذلك هو أن اللغة تمارس علينا سلطة خفية لا نكاد نحس بها، وفي نفس الوقت أن المتكلم باللغة يمارس التمويه والخداع على الآخرين بالاعتماد على الأدوات التي تتيحها لعبة اللغة.
ب‌الطابع القطيعي للتكرار: ولعل المقصود بذلك هو أن اللغة تجعل الإنسان خاضعا وتابعا لسلطتها وكانه فرد داخل قطيع. أما طابع التكرار فيتجلى في كون قواعد اللغة هي قواعد متوارثة وتكرر نفسها جيلا بعد جيل، وهي بذلك تترسخ لدى أفراد المجتمع وتمارس عليهم سلطة داخلية.
بالرغم من السلطة الكامنة في اللغة، يمكن القول بأن الإنسان ليس عبدا للغة بشكل تام بل يمتلك قسطا من الحرية في ممارستها. فصحيح أن الإنسان مكره وملزم بالخضوع لقواعد اللغة وبنيتها الداخلية، لكنه مع ذلك يعتبر واضع هذه اللغة ومبتكر لقواعدها، كما أنه يملك قسطا من الحرية في أن يركب بين علاماتها ويبدع في إنتاج أفكار لا متناهية من خلال استعماله للرموز اللسانية.
وإذا كان رولان بارت يتحدث عن سلطة داخلية للغة، توجد في ذاتها، فهناك من الفلاسفة والعلماء من استبعدوا أن تكون للكلمات سلطة خاصة بها، وربطوا سلطتها بالشخص الذي يتحدث بها أو بالمؤسسات والسياقات الاجتماعية التي يتم فيها تداول الكلام وإلقاء الخطاب. ومن بين هؤلاء السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو.
2- أطروحة بيير بورديو:
· 
سنستخلص أطروحة بورديو والأفكار المرتبطة بها انطلاقا من النص ص57:
يوجه بورديو نقده للأطروحة الفلسفية التي تهمل مسألة استعمالات اللغة وشروطها الاجتماعية أثناء تناول مسألة سلطتها. ويعتبر أن مثل هذه الأطروحة ذات بعد سطحي وينعتها بالساذجة، وهو ما يعني أن بورديو يتبنى أطروحة تربط سلطة اللغة بالشخص الذي يستعملها وبمكانته الاجتماعية.
انطلاقا من هنا يميز بورديو بين علم اللسان الذي يدرس اللغة في ذاتها، ويربط سلطتها ببنيتها الداخلية، وبين علم الاستعمالات الاجتماعية للغة والذي يربط سلطة اللغة بشروطها واستعمالاتها المختلفة داخل الحقل الاجتماعي. وينتهي بورديو من خلال هذا التمييز إلى القول بأنه لا توجد سلطة أو قوة للكلمات في ذاتها، بل إن سلطتها تستمدها من الشخص الذي فوض إليه أمر التحدث بها. فاللغة تستمد سلطتها حسب بورديو من الخارج ومن المكانة الاجتماعية للمتكلم بها، كما ترتبط سلطة اللغة بالمؤسسات العلمية والسياسية والاقتصادية التي تفوض لأشخاص بعينهم لكي يتحدثوا بلسانها، وهذا التفويض المؤسساتي هو الذي يمنح لكلام هؤلاء الأشخاص تأثيرا وقوة وسلطة تتماشى مع مكانة تلك المؤسسة في النسيج الاجتماعي.